أيام فى العسل....ذكريات متناثرة فى مفكرة عريس سابق

Hisham Elkhalifa

New member
تعارف الناس على تسمية الايام الأولى فى الزواج ب ( شهر العسل ) سواء اكانت شهرا او اقل او اكثر . وقد تلونت تلك الأيام فى الأذهان بألوان وردية وهى صورة صحيحة فى مجملها وان اختلفت التفاصيل من عريس لاخر. يصحو العريس من النوم فيجد العروس وقد تمسحت وتسمحت وتعطرت و تتمرت فأصبحت اجمل ما يكون ثم يكتمل المنظر برائحة الدخان السودانية وهو من ( المقبلات ) المعروفة والمعلومة عند الجميع. هذه الأيام الأولى يقضيها العروسان فى سلام ووءام واخر احترام فلا نقه ولا مطالبات بل كرم من العريس و تمنع من العروس من طلب أى شيئ حتى لو كان من الضروريات. حتى فى الاكل فإن العروس تنقد الطعام نقد الدجاج وقد تأكل باصبعين فقط كناية عن التربية الممتازة وعدم الظهور بمظهر الملهوفة والمشروفة.

حدثنى صديق بأن زوجته فى الأيام الأولى من الزواج كانت تتذوق الطعام فقط ثم تنهض من المائدة بادعاء الشبع . يقول الصديق أن ذلك الأمر اخافه جدا حيث انه من ( أنصار الطعام ) ويحب المشمر والمعمر والمقمر فخشى أن يصيبه الهزال مع العروس الغزال. غير أنه تفاجأ بعد انقضاء شهر العسل بأنه قد تزوج من ( eating machine ) أى ماكينة طعام كما كنا نطلق على احد الاصدقاء. فما أن انقضى شهر العسل حتى أصبحت الزوجة تطلب منه فى صباح كل يوم نوعا جديدا من الطعام بحجة أنها تحبه وبعد أن فتر مما تحب طلب منها كتابة لستة بما لا تحب حتى يتجنب احضارة للمنزل و لدهشته فقد اكتشف ان ما لا تحب من الطعام هما صنفان فقط من كل صنوف الطعام والشراب فى العالم.

لم تعرف عادة شهر العسل عند اهلنا فى السودان الا فى فترة متأخرة نسبيا وكان العريس المقتدر يسافر مع عروسته إلى منتجع اركويت على البحر الأحمر فى شرق السودان الذى اشتهر بالجو المعتدل خصوصا فى شهور الصيف وقد كان الزعيم اسماعيل الازهرى يقضى عطلته هناك مما أكسب المكان شهرة إضافية. كانت ايام الزواج نفسها مهرجانا من الفرح والبهجة و أذكر ونحن صغار أن شهدنا زواج احد اعمامنا وقد كان مقتدرا بمفهوم ذلك الزمان فاحيا ليلى الفرح فنان مشهور فى ذلك الوقت من منطقة الكاملين كان يغنى بالدلوكة والشتم اسمه ( ابراهيم الهادى ) كان يغنى ويرقص فى أن واحد ومن أشهر الاغانى التى كان يرددها ثم انتشرت بعد ذلك اغنية تقول كلماتها :
حراقى وشفت الجاهله بالعراقى
اذاى انا
والعراقى للناطقين بلغة الراسطات هو قميص النوم و قد كانت الفتاة تحتشم فى لبسها حتى داخل المنزل فكانت رؤيتها ( بالعراقى ) فرصة نادرة وقد تغنى بهذه الأغنية فنان من أبناء القطاطى )فى أطراف العيلفون اسمه (ود بليل ) اذكره حتى الآن بالشعر الغزير المفرود فى الوسط وقد رحل عن دنيانا باكرا رحمه الله. اما العريس غير المقتدر فكان يقضى شهر العسل يتحولن برعايته بين منزل أهل العروس ومنزل اهله اقول أن السعيد هو من تمتد أيام العسل عنده إلى ما بعد شهر العسل غير أن الكثيرين سرعان ما يذوقون البصل و دوام الحال من المحال فتظهر العروسة التى كانت ممكيجة و مجيهة بمنظر مختلف فبدلا من الزهرة التى تراها اول ما تفتح عينيك فإنه يواجهك قرنان يرتفعان إلى اعلى مثل الصواريخ الباليستية وقميص النوم الحرير المهفهف وقد تم استبداله بالحتياطى المركزى قميص من نوع ابو عشرة ريال المستورد خصيصا للسوق الشعبى وسعد قشرة من سوق الندى فى جدة.

ان شهر العسل مهما كان طعمه ونوعه فإن يظل راسخا فى الذاكره فهو حتى لو كان حجم العسل فيه قليلا فإنه يظل من اجمل ايام الزواج أن لم يكن أجملها على الإطلاق فلذلك يحتفظ الزوجان بصورة تذكارية لتلك الأيام ودايما ما تكون موضوعة فى مكان بارز بحيث يراها الزائر فتخيل كمية السعادة التى عاشها أهل البيت قبل أن تتكالب عليهم هموم المعيشة ومطالب العيال وام العيال التى تنهمر فوق رأس الزوج المسكين كالمطر وما عليه إلا الاستجابة. تغير الحال الآن بالطبع فأصبح العريس المقتدر يسافر إلى الخارج باريس ولندن او اديس ابابا اذا تعثرت الامور قليلا اما ( العريس الذى نفض الكيس ) فلم يبقى فيه الكثير او الذى منذ البداية كان على ( اد الحال ) فما عليه إلا أن يستبدل منتجع اركويت بشقه فى اركويت شرق او حتى فى ال١٣ وهو حى اكتشف اهلنا فى العيلفون أن الايجارات فيه مناسبة ويقضى شهر عسل ( قدر ظروفك ) _ بالشده على الدال _ ثم يغنى لها أن كان صوته رخيما:
تمت الافراح واملا كأس الراح يا عريس اتهنى
او :
يا حبيبى ظمئت روحى وحنت للتلاقى

وها نحن معا اخيرا

او فليصمت فإن فى الصمت كلاما كثيرا أحيانا

وسلامتكم

هشام الخليفه القاهره / العيلفون ٢١/١/٢٠٢١
 
التعديل الأخير:
أعلى