الشاعر أحمد محمد الشيخ الجاغريو.. رحيل بلا وداع ( ٣ )

Hisham Elkhalifa

New member
نبدا اليوم من حيث انتهينا امس بالحديث عن شعر الجاغريو العاطفى ودرة اغانى ذلك الضرب من الغناء ( طار قلبى ) فقد فاتنى أن أذكر أن الفتاة الاغريقية التى أحبها شاعرنا هى سليلة أسرة خرطومية مشهورة وخالتها علم على رأسه نار هى ( كاترينا ) التى سميت المحطة فى بداية شارع الدايم باسمها فقد كانت تاجرة مشهورة وشخصية عاصمية بارزة. ذكر لى أخونا الباشمهندس الطاهر صباحى وهو رجل فنان صاحب صوت رخيم أن العم عبد القادر مضوى خليل الجاغريو وكاتم أسراره والذى خلده فى كسرة اغنية بنت النيل حين قال ( دا الجنن عبد القادر ) حكى له أن الشاعر الجاغريو قد اعتكف واعتزل الناس والحياة حتى تكاثفت عليه الضغوط من اصدقائه ليخرج من هذه العزلة المجيدة فخرج وقد كتب خريدة أصبحت هى أيضا من عيون الشعر العاطفى قال فيها ،:

حاولت انساك وقلبى زاد فى جروحو
ورينى كيف الحى يودع روحو

وقد ذكر الأستاذ السر قدور فى حلقة عن الجاغريو فى برنامج ( اغانى واغانى ) أن الشاعر استخدم تعابير لم يسبقه عليها احد من الشعراء منها تعبير :
( الحى يودع روحو )
وتعبير اخر فى اغنية
( تبرى وجمروهو ) حيث يقول :
تبرى وجمروهو والنار انطفت لو
طالع فى الهجيره والشمس اختفتلو

فتعبير ( الشمس اختفتلو ) أيضا من التعبيرات البلاغية التى تحتشد بالمعنى الكثيف.
وفى مناسبة أخرى ذكر لى ابننا الباحث محمد الجيلى العاقب وهو من المهتمين بشعر الجاغريو انه ابان إدارته لقروب يهتم بغناء كروان الحقيبة مبارك حسن بركات أن وجد أن اغنية الجاغريو التى ترنم بها احمد المصطفى :
يا حبيبى انا فرحان بيك ياريت يدوم هنانا

والتى اكتسبها بهاء صوت احمد المصطفى فرحا على فرح مناسبتها أن الجاغريو جاء لحضور ( حنة ) احمد المصطفى والمشاركة بالغناء فبهره الجو الجميل والبهجة والسرور والبنات الحسان فى الطابور للرقص فما كان منه إلا ان امسك بالرق و ارتجل تلك الاغنية ( قطع اخدر ) أى وليدة اللحظة ولمن لا يعرف فالشاعر الجاغريو هو فى الحسبة خال احمد المصطفى لذلك كانت علاقة الجينات المشتركة تسهم فى إخراج ذلك التناغم البديع بين شعر وألحان الجاغريو وصوت احمد المصطفى الصداح.

ذكر الجاغريو فى مقابلة إذاعية انه اكتشف خامة الصوت الموسيقية عند احمد المصطفى مبكرا فاشركه معه فى الكورس وبما أنه كان صغيرا جدا فقد كانوا يضعون له صندوقا من الخشب يقف عليه حتى يبدو فى طول بقية الشيالين.

برع الجاغريو أيضا فى فرع اخر من فروع الشعر الشعبى وهو شعر الفخر والحماسة وقد أفتخر دائما بانتمائه لدوحة الشيخ إدريس ابن الأرباب الظليلة و المنتمين للشيخ إدريس ابن الأرباب هم ليسوا من انحدار منه بالدم وإنما كل أهل العيلفون بل كل من أحبه واعتقد فى صلاحه فقد قال الجاغريو الابيات المشهورة :
نحن اولاد الشيخ إدريس نقعد نقوم على كيفنا
فى شقا فى لقاء دايما مخدر صيفنا
نحن الخرس بنملاهو ونكرم ضيفنا
ونحن الفوق رقاب الناس مخدر سيفنا

و ( الخرس ) -بضم الخاء والراء- هو صحن ضخم يصنع من الخشب توضع فيه العصيدة والملاح يقدم للضيوف فى المناسبات ونسبة لكبر حجمه فقد كان يوضع على عنقريب ويحمله أربعة أشخاص. ياتى هذا الخرس يحمله الحيران للمسيد كما ذكرنا فى المناسبات التى يرسمها خلق كثير وكانت حبوبتنا،( خادم الله بت ود المكى ) ترسل للمسيد خرس أصغر فى الحجم وعندما توفت تولى هذه المهمة ابنها وصديقنا حسن محمد عبدالقادر الشهير ب( اب كعوك ) وذلك حتى توفاه الله له الرحمة والمغفرة.

ونختم حلقة اليوم بالرواية التى ذكرها اخونا البروفسير سيف الدولة مصطفى بركات فى كتابه الذى يؤرخ للإدارة الأهلية _ تحت الطبع _ و الموسوم ب ( الإدارة الأهلية فى العيلفون ١٨٢٣ - ١٩٧٠ ) وقد اهدانى منه مشكورا نسخة اليكترونية وهو يؤرخ من ضمن الوقائع التاريخية التى يؤرخ لها لاغنية الحماسة الشهيرة التى أصبحت ايقونة لاغانى الفخر وهى اغنية ( الظايط ما بنقدر ) وقصتها كما جاء فى الكتاب أن بعض أهل العيلفون قد قدموا شكوى للسلطات فى الخرطوم ضد العمدة بركات ود عبد القادر وهو جد البروف لابيه وهو أن العمدة يمالى اهله فى الأحكام ضد خصومهم وانه يمنحهم الأراضى دون وجه حق. بعث الحاكم العام مفتش انجليزى للعيلفون ليتحقق من الأمر. جمع المفتش كل أعيان العيلفون وبينهم من تقدم بالشكوى فى بيت العمدة وجلسوا جميعا فى ديوان العمدة والمفتش يسال الجميع عن حقيقة الأمر بينما تجمع أهل العيلفون تحت ظل شجرة ضخمة فى حوش العمدة ينتظرون النتيجة حتى خرج عليهم المفتش الانجليزى ليعلن براءة العمدة من كل التهم وانها كلها تحركها أحقاد شخصية ليس إلا وان العمدة سيظل فى مكانه عمدة كما كان وهنا انبرى الجاغريو وخرج وسط الجموع ليرتجل شعرا وغناءا اغنية ( الظايط ما بتقدر سيل الوادى المنحدر )
وذلك فى مدح العمدة الذى ينتمى اليه الجاغريو من جهة الأم والأب حتى ذم خصومه قائلا :
ما تهموك بى نميمة
بتكفى ضيفان الهجيمه
سيد بت فرج وسيد حليمه
القصدو التار رضو بالهزيمه

وهكذا اختم حتى لا اثقل عليكم وان اطلت

هشام الخليفة القاهرة / العيلفون ٢٦/١٢/٢٠٢٠
 
أعلى