عبقري الطب الجنائي

عبقري الطب الجنائي ..
منقول من منتدى د.كمال سيدالدراوى(سنار):-


عبقــرى و ثلاث عظام..

اتسعت عيون وكيل النيابة في ذهول وهو يقرأ تقرير الطب الشرعي الذي وصله من الدكتور (سيدني سميث) كبير الأطباء الشرعيين في مصر عام 1917م ..

كانت الشرطة قد عثرت على ثلاث عظام في قرار بئر مهجورة فتم إرسالها بصورة روتينية إلى الطب الشرعي لتحديد ما إذا كانت هذه العظام آدمية أو حيوانية فقط ..

ثم جاء تقرير الدكتور ( سيدني سميث ) ليفجر الدهشة في قلوب وعقول عيون الجميع ..

جاء في تقرير الطب الجنائي أن هذه العظام الثلاث لفتاة ما بين الثانية والعشرين والخامسة والعشرين من عمرها ، حملت وأنجبت مرة واحدة على الأقل وكانت مصابة بمرض السكر الوراثي ، وفقر الدم ، وفصيلة دمها ( أ موجبة ) ولقد أصيبت برصاصة عن طريق الخطأ ، ولكنها لم تمت من الطلق الناري ، وإنما ماتت بعد أسبوعين من إصابتها بسبب تسمم الجرح ...

وخُيل لوكيل النيابة أن هذا التقرير عمل من أعمال السحر ، أو هو محض تخمين واستنتاج وأصرَّ على طلب الدكتور ( سيدني سميث ) لاستجوابه وسؤاله عما تضمنه تقريره ..

وشعر دكتور سيدني بالحنق لهذا .. ليس لأنهم سيسألونه عما تضمنه تقريره ولكن لأن هذا سيضيع الكثير من وقته ، وهو الذي يحب عمله إلى درجة العشق ...

ولكنه ذهب ...

وبكل حرارة واحترام استقبله وكيل النيابة وأعاد على مسامعه محتوى التقرير ثم سأله في تردد :

- أهذا ما تضمنه تقريرك يا دكتور سميث

تنحنح الطبيب الشرعي العبقري وأجاب في ضجر :

- نعم هو هذا .

تردد وكيل النيابة لحظات ثم لم يلبث أن مال نحو الدكتور ( سيدني ) وسأله في لهجة أقرب إلى الرجاء :

- سيدي أقسم أنني لا أشك في حرف واحد مما جاء في تقريرك ولكنني أشعر بالحيرة كلما طالعته ، فهلا أخبرتني بالله عليك كيف عرفت كل هذا من ثلاث عظام فقط

تطلع إليه الدكتور سيدني لحظات في صمت ، ثم سأله في هدوء :

- أخبرني أنت أولاً .. هل توصلتم إلى الجاني

أومأ وكيل النيابة برأسه إيجاباً وهتف :

- نعم .. وهذا ما يضاعف من دهشتي فلقد أجرى رجال الشرطة تحرياتهم بناء على تقريرك ، وكشفوا اختفاء أرملة في الرابعة والعشرين من عمرها ، توفى زوجها منذ عام واحد وترك لها طفلة وحيدة ، وكانت تعيش مع والدها الذي يعاني حزنا غامضا منذ أربعة شهور كاملة ، وباستجواب والدها وسؤاله عنها انهار الرجل على الفور ، واخبرهم انه كان ينظف بندقيته غير المرخصة ، عندما انطلقت منها رصاصة طائشة أصابت ابنته في فخذها ...

وخشي الرجل إلقاء القبض عليه لكون البندقية غير مرخصة ، فحاول علاج ابنته في المنزل إلا أنها لقيت ربها بعد أسبوعين بسبب تلوث الجرح ، فما كان منه إلا أن حملها وألقاها في تلك البئر المهجورة حيث التهمت الذئاب الجائعة جسدها ، ولم يتبق منه سوى هذه العظام الثلاث ....

كان الدكتور سيدني يستمع إليه وهو يهز رأسه في رضا ، حتى انتهى وكيل النيابة من روايته فهتف :

- والآن أخبرني بالله عليك ... كيف عرفت كل هذا

لوح الدكتور سيدني بكفه وهو يجيب :

- أنا لست ساحرا يا سيادة وكيل النيابة .. إنه العلم .. علم الطب الجنائي الذي يدهش الجميع عادة باستنتاجاته ونتائجه ...

استمع إلي وستجد أن الأمر ابسط كثيرا مما تتصور ، فالعظام الثلاثة التي وصلتني هي عظمة ساق وعظمة فخذ وعظمة حوض ، ومن الأخيرة علمت أن العظام لامرأة من البشر ...

ومن التحاماتها أدركت عمرها ، الذي يتراوح ما بين الثانية والعشرين والخامسة والعشرين ، وكذلك علمت أنها حملت وأنجبت مرة واحدة على الأقل ، بسبب التغيرات التي تصنعها الولادة الطبيعية في رحم المرأة وحوضها ...

وبعدها قمت بتحليل نخاع العظم ومنه علمت أن فصيلة دمها هي ( أ موجبة ) وأنها قد أصيبت بالسكر الوراثي وبفقر الدم ، وبعدها رأيت موضع الإصابة التي أحدثتها الرصاصة في عظمة الفخذ ، ومن زاوية دخول وخروج الرصاصة أدركت أنها قد أصيبت بدافع الخطأ ، إذ كان موضع الخروج أعلى من موضع الدخول ....

ثم كانت هناك تغيرات باثولوجية ( مرضية ) في موضعي دخول وخروج الرصاصة ، يشفـَّان عن أن المصابة لم تمت على الفور ، وأنها قد عانت تلوث الجرح لمدة أسبوعين ... وهي عمر التغيرات التي أصابت العظام ، ثم لقيت مصرعها بعدها وإلا حدثت تغيرات أخرى ...

توقف الدكتور سيدني عن السرد عندما بلغ هذه النقطة ، وتطلع إلى وكيل النيابة الذي يحدق فيه مشدوهاً مبهوراً ، وأضاف في هدوء :

- هل رأيت إنها ليست سوى مجموعة من النتائج البسيطة في علم الطب الجنائي .

هز وكيل النيابة رأسه نفيا وهو يقول في حزم :

- لن أصدق أبداً أنها بسيطة يا دكتور ( سميث ) الشيء الوحيد الذي أثق به الآن هو أنني أمام عبقري ...

وكان وكيل النيابة على حق ...

فلن تنسى مصر ولن ينسى العالم أبداً هذا العبقري ... سيدني سميث ...

عبقري الطب الجنائي ..

http://kamalsayed.com/forum/viewtopic.php?t=3128
 
أعلى