فضائح الشهادة *الثانوية2020!!

فضائح الشهادة الثانوية2020!!

يجب ألا نتحسر على تأجيل العام الدراسي، أو حتى تجميده لعام أو عامين؛ فالذي أفزرته نتائج الشهادة الثانوية للعام"2020م"؛ كافٍ ليؤكد أن تعليمَنا العام قد فقد البوصلة تماماً، وبات في أزمة حقيقية تستوجب لمَن بقِيَ من عقلاء هذه الأمة إعادة قراءة المشهد الماثل الآن، بوعي وطني عالٍ؛ حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، ولكي لا تضيع الحقيقة، وتدوسها أقدام المهنئين والمباركين ويضيع معها حاضرالسودان ومستقبله؛ فلا بد من وقفة جادة لإجراء تقويم شفيف لمخرجاتها ؛من أجل تعليم عادل ومنصف لجميع شرائح المجتمع يفضي إلى مستقبل آمن لهذا الوطن المنكوب ؛وهذا لا يتأتى إلا بعودة الهيبة والتوازن إلى التعليم الحكومي بالعمل الممنهج لإرجاعه إلى سابق عهوده الزاهية، وحسم الهرجلة والفوضى والزحف الكاسح للتعليم الخاص والصفوي الذي يمارس الآن على رؤوس الأشهاد بلا ضوابط أو معايير ؛ عليه فمن واقع إعلان نتيجة الشهادة الثانوية للعام" 2020م" التي تمثل المحطة الأخيرة لتقويم تعليمنا العام، ؛ فقراءة تحليلية فاحصة لما أفرزته هذه النتيجة من تداعيات تتطلب التفكير الجمعي للعلماء والخبراء ومتخذي القرار في كيفية النهوض بتعليمنا؛ حتى تعود له عافيته ؛ لتحقيق غايته المرجوة في رسم ملامح السودان الجديد. ففي الوقت الذي ظللنا نجادل فيه ونزكم الأجواء بالبكاء والعويل على المناهج- وما أدراك ما المناهج-؛ تفرز لنا نتائج الشهادة الثانوية للعام" 2020م " واقعاً محزناً أقرب إلى الفضائح منها إلى نصب سرادق العزاء لنقيم مأتماً جماعياً نندب فيه حظنا العاثر وننعى حال أمتنا السودانية وسوء مآلها ؛ ولنبدأ بأولى هذه الفضائح المتمثلة في النسبة المتدنية لدرجة النجاح التي بلغت" 55,8% "؛ ولا أعزي السبب إلى "كورونا" وظروف الخريف- كما رأى بعض الخبراء- ؛ ما يعني أن ثلثي الممتحنين لهذا العام هم في عداد الراسبين تمعيرت النتيجة أو لم تتمعير ؛ هذا إذا أضفنا إليهم الذين نجحوا بنسبة تترواح بين الـ" 50% " والـ" 60% " هم- أيضاً- في نظر التربويين في عداد الراسبين عطفاً على واقع الامتحان وبساطته و أسئلتة "الموضوعية "؛ مقارنة بالامتحانات "المقالية " في عقودها السابقة؛ والسبب في هذا الرسوب مرده الرئيس أن معظم طلاب وتلاميذ مرحلتي الأساس والثانوي لا يتقنون مهارتي القراءة والكتابة- وهما الجسر الذي يعبر به الطالب أو التلميذ إلى تعلم بقية المواد-؛ وهؤلاء الراسبون وأشباه الناجحين هم الذين سيشكلون عماد السودان ومستقبله، ويستأثرون مع غيرهم من أبناء المغتربين بفوائد جامعات ومؤسسات ما يسمى بثورة التعليم العالي ؛ والتي تُعد منتجا سودانياً عبقرياً خالصاً استحدثت خصيصاً للكسب السياسي الرخيص واستقطاب الريالات والدولارات دون توفر المعاييرالأخلاقية والعالمية لتأسيس الجامعات ؛ الفضيحة الثانية تتمثل في تمركز درجات التفوق في ولاية الخرطوم، وفي مدارس خاصة ونموذجية بعينها، والتباين الواضح في مستويات الطلاب، والفرق الشاسع بين المتفوقين والراسبين؛ قارن نسبة 98,8% لأول السودان ونسبة 50% لأدنى طالب ناجح؛ ما يعني عدم التوازن التحصيلي في درجة التلقي والاستيعاب، وأن هناك اجتهاداً ذاتياً ومناخاً صحياً ودعماً لوجستياً أتيح لفئة معينة؛ دون الفئات الأخرى؛ خاصة الشريحة المتفوقة؛ فهل يتساوى- مثلاً- طالب مدرسة الدقير الثانوية أو المنار الجديد بطالب يدرس في محلية أب قوتة بولاية الجزيرة أو قوز ود الطاهر بمحلية شرق النيل؟ وكل هذا أسهم في اختلال معادلة تكافؤ الفرص وزيادة الهوة بين أسباب النجاح والفشل . والفضيحة الثالثة انحصار درجات التفوق بين أبناء الأغنياء والطبقات العليا ؛ ما يعني إفرازات التعليم الصفوي والتهميش الذي تلاقيه الطبقات الفقيرة المستعطفة من المجتمع؛ وانقلاب المعادلة المجتمعية؛ ففي الماضي كان معظم أوائل السودان ونوابغه يأتون من أبناء الطبقات الوسطى أو الفقيرة أو أبناء الداخليات في المدارس الثانوية" حنتوب – خورطقت – وادي سيدنا – الفاشر الثانوية – كسلا الثانوية – وغيرهم)؛ بمكون مجتمعي منصهر ومتناغم؛ ومعظم نوابغ السودان الذين قضوا نحبهم والذين ينتظرون من الأحياء وتترواح أعمارهم الآن ما بين الـ60 عاماً فما فوق؛ من أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة؛ وعلى أهل السودان الاستعداد من الآن خلال السنوات القليلة القادمة لحقبة جديدة من الحكم؛ يتسيدها "الحناكيش" و الأغبياء أبناء الأغنياء وأبناء الطبقات المترفة. الفضيحة الرابعة تتمثل في تفوق التعليم الخاص على التعليم الحكومي، وتساويه في درجة الانتساب؛ ما يعني اتجاه التعليم العام نحو الخصخصة في بلد جل أهله من الفقراء وأكلي "الطعمية والدكوة والبوش" . الفضيحة الخامسة تفوق البنات على البنين في ظاهرة يعدها البعض ليست في مستوى الفضيحة؛ ولكن الأصل في الأمور أن تتساوى الشريحتان- على أقل تقدير-، ولكن أن تتصاعد بهذ الوتيرة فهذا يعني أن تعليمنا يسير بخطى حثيثة نحو" النسونة "؛ وهذا الوضع يفصح عنه أن أكثر من 70% من منسوبي مهنة التدريس والخدمة المدنية- عموماً- من العنصر النسائي، واحتكار شبه كامل لمهنة التدريس في مرحلة الأساس، مع عدم قياس أثر تداعياته النفسية والتحصيلية على تلاميذ مرحلة الأساس من البنين ، والأدهى من ذلك أن معلمي المستقبل الذين ينتسبون لكليات التربية ويمتهنون مهنة التدريس يصنفون من ضمن هذه الفئات الراسبة فكيف إذاً يستقيم الظل والعود أعوج؟؟ !!. والفضيحة السادسة تتمثل في النسبة العالية التي أحرزها أوائل الشهادة الثانوية في العام" 2020م " والأعوام التي سبقته؛ مقارنة بالنسب التي تترواح بين 80% إلى 86% لأوائل الشهادة الثانوية في فترة السبعينات والثمانينات؛ ما يعني أن هناك خللاً ما في طريقة بناء الامتحانات وجدول مواصفاتها. الفضيحة السابعة طبقية التنافس في الانتساب إلى مؤسسات التعليم العالي في الجامعات الحكومية، وفي كلياتها المرموموقة التي أصبحت حكراً على أبناء الأغنياء؛ والتي تتطلب الحصول على نسبة أعلى من 90%؛ ما يضطر أبناء الفقراء الذين توفر لديهم قدر من الطموح إلى إعادة العام الدراسي مرة أخرى؛ على الرغم من أنهم أحرزوا في المرة الأولى نسبة أعلى من 80%؛ وهذا يعني أن معظم الذين يحرزون نسبة تتعدى الـ90% والطلاب الذين ينجحون ويرفعون من نسبة نجاح الشهادة الثانوية من الطلاب المعيدين أو أبناء الطبقات المترفة، وغاب أذكياء بلادنا في الأرياف والأصقاع النائية، وحرموا من اقتسام" كيكة" التعليم- كما كان يحدث في السابق-. والفضيحة الثامنة غياب أكثر من" 30 " ألف طالب وطالبة عن الجلوس للامتحان؛ ومعظمهم من الشرائح الفقيرة؛ والتي تفصح أن التعليم بالنسبة لهم لم يعد واحداً من ضرورات الحياة، أو حرمتهم ظروف الفقر من المواصلة . الفضيحة التاسعة العدد الضئيل للطلاب المنتسبين إلى المساق الفني " 11ألف طالب وطالبة" وبنسبة تعادل "02% " من جملة الممتحنين في المساق الأكاديمي" 500ألف طالب وطالبة " ، ونسبة النجاح المتدنية التي تعادل " 53,9% " ؛ ما يعني نوعية الطلاب الذين ينتسبون إلى هذا المساق، والذين يعوّل عليهم إحداث التنمية والنهضة المطلوبين. والفضيحة العاشرة تهليل بعض نواطير مسؤولي التعليم بالولايات أن ولاياتهم قد أحرزت نسبة نجاح بلغت 90% دون نسبة التحصيل الدراسي ودون أن يتأهل فيها طالب واحد للانتساب إلى كلية طب في جامعة حكومية. وأخيراً- هذه الخطوط العريضة دون تفاصيل وإسهاب في المسببات لبعض الإفرازات السالبة لمخرجات الشهادة الثانوية؛ قمةٌ وقاع ولا توجد منطقة أوسطى ما بين الجنة والنار ، والتي تتطب التدبر والتأمل والوقوف عندها طويلاً، ومحاولة تشريحها وتحليلها ثم تقويمها ؛ تأهباً لانطلاقة جديدة تعيد تعليمنا العام إلى مساره الصحيح .

وحسبنا الله ونعم الوكيل
 
أعلى