قضايا تربوية ساخنة : المرحلة المتوسطة ... المطلوبات والتحديات !!

قضايا تربوية ساخنة
* المرحلة المتوسطة ... المطلوبات والتحديات !!

من ضمن الأخطاء التاريخية التي ترقى إلى مستوى الجرائم التربوية الممنهجة ؛ القرارت المتعجلة التي اتخذها فلاسفة الإنقاذ المستنفذون في مجال التعليم بشقيه العام والعالي؛ باتخاذهم سلسلة من القرارات التي مثلت معاول لهدم إرثنا التعليمي الراسخ المتوارث جيلاً بعد جيل؛ ومن ضمنها ما يسمى بثورة" التعليم العالي " التي حولت "الشُقق والمنازل" إلى جامعات والتعليم العام إلى تعليم صفوي وأحالت غالبية مدارسه الحكومية إلى مستودعات فوضوية لضخ الجهل وترسيخ الأمية ،وثالثة الأثافي إلغاء" المرحلة المتوسطة"؛ التي كانت تشكل حلقة مهمة في تدرج نظامنا التعليمي بشهادة معظم خبراء وعلماء التربية بتعديل النظام العالمي المعروف" 6-3-3 " إلى النظام" الأشتر" " 8-3 " ، في العام" 1996م "، ودمج طلابه في مرحلة التعليم الأساسي ؛ اختل بعدها نظامنا التعليمي العام، وبدأت ملامح هذا الاختلال تظهرفي كثير من أوجه حياتنا ؛ وبإقرار عودة "المرحلة المتوسطة " ابتداءً من العام "21 / 22 " في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تعيشها بلادنا؛ فبدون أدنى شك ستجابه متخذي القرار والإدارات التعليمية والمعلمين الكثير من المخاطر والتحديات؛ خاصة في المرحلة الأولى من التطبيق،وسيقع على عاتق الإدارات التعليمية بصفة عامة والمعلمين بصفة خاصة بل الدولة بأسرها؛ الكثير من الأعباء والمسؤوليات؛ ما يتطلب القيام بجهد رسمي ومجتمعي كبيرين ؛ لكي تعود الأمور إلى سيرتها الأولى؛ وأولى هذه التحديات " تقويم" إخفاقات وتشوهات مخرجات السلم التعليمي القديم" 8-3 "، وإفرازاته السالبة المتمثلة في ضعف المخرجات ؛ وهذا ما أثبتته الدراسات ونتائج المسح الذي أجرته إدارة" التطويروالجودة" – بوزارة" التربية والتعليم" قبل أشهر قليلة وأفضت إلى نتائج أقرب إلى الكارثية ؛ والتي كان من المفترض أن تكون المنطلق لأي خطوات قادمة؛ في سبيل الإصلاح وتحقيق الجودة ، ولكن!!!، وثانيها كيفية التكيف مع تحقيق أهداف المرحلة المتوسطة وكفايات معلميها وتدريبهم على تهيئة الطلاب للانتقال إلى المرحلة الثانوية مع الوضع في الحسبان التغيرات الفسيلوجية والنفسية التي تطرأ على التلاميذ؛ وهم في هذه المرحلة العمرية الحساسة (بداية مرحلة المراهقة)، إضافة إلى المشاكل الإدارية بالغة التعقيد التي تتعلق بعدم تهيئة البيئة المدرسية الصالحة لاستقبال هذه المرحلة الجديدة، وعدم وجود الفصول الكافية والمدارس المنفصلة التي تستوعب طلاب المرحلة الوليدة، وغيرها من التحوطات؛ ما يستوجب اختيار المعلمين لهذه المرحلة في بداياتها الأولى؛ وهم مستوفون للمعايير الصارمة التي تتمثل في جودة الكفايات المهنية التي ترتبط بميدان التدريس؛ أي لا بد من اختيار معلمين ذوي خبرات؛ يتم انتقاؤهم من مرحلة الأساس من المعلمين الذين كانوا يدرسون في الصفين السابع والثامن، ونسبة لحساسية المرحلة المتوسطة؛ يفضل أن يتم اختيار المعلمين من العنصر الرجالي للعمل في مدارس البنين، ومعلمات العنصر النسائي للعمل في مدارس البنات؛ لتفادي الإشكاليات الكثيرة المعقدة التي أفرزتها الممارسة السابقة ، كما يستوجب إرجاء عمل المعلمين الجدد الذين ليس لهم سابق خبرة، أو لم ينالوا دورات تدريبية تؤهلهم للعمل في المرحلة المتوسطة؛ خاصة في المراحل الأولى من التطبيق، وضرورة قيام دورات تدريبية حتمية مكثفة لمعلمي هذه المرحلة قبل بداية العام الدراسي" 21/ 22 "، لتدريبهم على التحرر من النمط التقليدي لعملية التعليم، وتبني النظريات الحديثة في التعلُّم، وتبصيرهم بحجم المشاكل التراكمية التي ستجابههم أثناء فترة عملهم، وتكثيف الأنشطة غير الصفية في هذه المرحلة التي تتشكل فيها شخصية الطالب وسماته المستقبلية وميوله ودوافعه نحو التعلم ، ومن الأمور الملحة- أيضاً- ضرورة إنشاء جسم قومي تحت مظلة وزارة التربية والتعليم قوامه خبراء التربية والتعليم والمفكرون والساسة ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني المحلي والإقليمي والدولي ؛ مهمته أن يتابع مراحل التطبيق الأولى، وإجراء المسوحات اللازمة؛ من خلال مرئيات الميدان والزيارات الميدانية، وإنشاء قاعدة للبيانات وآلية للمتابعة والتقويم؛ إذ أن الأمر مسؤولية وطنية في المقام الأول تهم الجميع ولا تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم وحدها ، مع تكثيف دور الإعلام التربوي التوعوي بإنشاء وحدة إعلام تربوي متخصص لتروج لهذه المرحلة لإحياء قيم النفير والتفاعل المجتمعي ، و الاستفادة أيضاً من الخبرات التراكمية لكوادر المرحلة المتوسطة بالمعاش ومن هم على أعتاب المعاش و العمل على استيعابهم إذا دعت الضرورة ؛ بغرض الاستفادة من خبراتهم خاصة في المراحل الأولى لتنفيذ الانتقال، وتوجيه جهود الشركاء والمانحين ومشروع تقوية تعليم الأساس بالتركيز على إسناد المرحلة الأولى من تنفيذ الانتقال وسد الثغرات بدلاً من تبديد "ملايين الدولارات" في مشروعات يتم طبخها في صالات الفنادق الفاخرة ﻹنتاج برامج تربوية على شاكلة ( ختان الإناث وزواج القاصرات في معسكرات النزوح !!) لم تحدث خدشاً في جسد التعليم أوتلامس لحمه الحي وقضاياه الملحة ومن الأمور المهمة التي يجب الانتباه إليها ضرورة الفهم الواسع لقمة هرم السلطة بوضع قضايا التعليم من ضمن أولوياتهم باعتباره السبيل الوحيد لانتشال السودان من "الحفرة "التي يقبع فيها الآن والمعوَّل عليه لإحداث التغيير وبناء السودان الجديد وتحقيق وطن الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة وتقديم تعليم منصف وعادل لجميع شرائح المجتمع وأنه من المؤسف حقاً أن تظل وزارة التربية والتعليم بالرغم من دورها المحوري في هذه المرحلة وزارة بلا وزير لما يقارب العام وتركها نهباً لصراعات الساسة والمحاصصات وأحلام الطامحين والمغامرين الذين لا علاقة لهم بالتربية والتعليم ... وزارة قوامها أكثر من أربعمائة ألف معلم بمختلف التخصصات والخبرات أيعجز حكامها عن اختيار وزير مؤهل من بينهم؟؟ !! ، ومن الأمورالخطيرة التي يستوجب الانتباه إليها وضع معايير صارمة لمنح تصاديق المدارس المتوسطة للتعليم غير الحكومي والتي يتوقع أن يحدث فيه انفلات عبثي فوضوي في كل الاتجاهات وذلك استغلالاً لعدم تهيئة مؤسسات التعليم الحكومي لاستيعاب التلاميذ كافة في هذه المرحلة الوليدة ، وأخيراً فمن المؤمل أن تعقد "وزارة التربية والتعليم الاتحادية" ملتقىً تنسيقياً مهماً خلال هذا الشهر يضم الولاة ومديري التعليم والتخطيط بالولايات لبحث تحديات التعليم في المرحلة القادمة ومن ضمنها العودة الآمنة إلى المرحلة المتوسطة ، ويحدونا أمل كبير أن يخرج الملتقى المهم عن إطار سابقيه لا ملتقىً "لطق الحنك" والثرثرة والتنظير؛ بل مؤتمراً حاسماً لبحث قضايا التعليم الملحة بشفافية ووضوح والخروج بتوصيات إجرائية - أكرر توصيات إجرائية - مرهونة بأسباب وزمن وقابلة للتطبيق وليست توصيات "رومانسية " يبددها الزمن وتذروها الرياح !! ... تبقت ثلاثة أشهر فقط لانطلاقة العام الدراسي الجديد فالمرحلة المتوسطة أمامكم والبحر خلفكم دعونا ننتظر لنحكم على النتائج ؟!! ... نسأله سبحانه أن يسدد الخطى وأن يعين الدولة و القائمين على أمر التعليم على العبور بالمشروع الوطني الكبير إلى بر الأمان .
 
أعلى