الشاعر أحمد محمد الشيخ الجاغريو ...... رحيل بلا وداع ( ٥ )

Hisham Elkhalifa

New member
تحدثنا فى الحلقة السابقة عن شعر الفروسية والحماسة عند الجاغريو الذى جاء معبرا عن البيئة التى نشأ فيها والمكان الذى غرس فى نفسه حب المكارم وصفات الرجولة الحقة وبيت كتب على صفحة الطفولة البيضاء اول اسطر فى الاقدام والكرم .

اشتهر الجاغريو فى ما اشتهر بة بالشجاعة والقوة البدنية وبرغم انه كان نحيفا إلى حد ما فقد امتلك قوة جسمانية هائلة كانت ضرورية فى مجتمع لم تكن الدولة تبسط فيه هيبتها بالصورة الكاملة مما جعل الناس يعتمدون على أنفسهم أولا للدفاع عن النفس والمال والعرض.

حكى لى ابن أخيه الاخ الصديق الأستاذ محمد عبد الرحمن الشيخ انه كان هنالك ( فتوة ) يجوب العاصمة كل مساء من ادناها إلى أقصاها يتخير كل يوم حى ( يفرتق ) الحفلات واول ما يبدأ بالفنان فيوسعه ضربا ثم يحطم الانوار فلا يجد المتفرجون مناصا من الفرار أمام هذا الرجل الجبار بما فيهم أهل المناسبة أنفسهم حفاظا على الروح التى ما بعدها روح ويقال أن البوليس نفسه كان يتحاشاه وبذلك كان قد حير الطب والطبيب .

وفى مرة راى هذا الفتوة حفلة تتلألأ انوارها من بعيد فحمد الله انه قد وجد صيدا سمينا يتسلى به ليلته تلك فقصدها ودخلها متابطا عصاه بيمينه وشره بيساره ويمشى متبخبترا يحكى صولة الاسد. اتجه اول ما اتجه نحو الفنان الذى كان يراه اول مرة وكان الجاغريو برغم نحافته فى أوج قوته و شبابه وقد تعجب الفتوة من هذا الفنان دقيق الحجم الذى لم يهابه بل تقدم نحوه مواصلا الغناء يهز الرق فى طرب حتى واجهه هنا رفع صاحبنا عكازته المضببه واوشك أن يهوى بها على راس هذا الرجل ( ابو قلب ميت ) الذى يرى الخطر ولا يهابه وقبل أن يفيق من الدهشة التى أصابته من هذا المنظر حتى طار الجاغريو فى الهواء ونطح الفنان ( روسية ) اطارته فى الهواء فسقط وسط الجمهور لا يحرك ساكنا هنا هلل الناس وصفق الجميع بشدة بينما هرع البعض ليحضر الماء البارد بالجرادل يرشونه على راس الفتوة وجسده حتى افاق. التفت الفتوة فوجد نفسه فى حالة كربة جسمه وملابسه يغطيها الطين والتراب والعيون تحدق به فى شماتة وسخرية فاسرع خارجا من الدار لا يلوى على شي ويقال انه رجع اهله فى الريف يزرع و يرعى الاغنام كما كان اذ لم يشاهده احد فى العاصمة بعد ذلك ابدا.

وذكر لى أيضا الاستاذ محمد فى ما ذكر أن قوة الجاغريو كانت تتركز فى رأسه وأصابع يديه فكان يضع يده على الطاولة ويفرد أصابعه الخمس متباعدة عن بعض ويتحدى كائنا من كان أن يجمع اصبعين بعضهما مع بعض حتى لو استخدم كلتا يديه ولم يستطع أحد يكسب التحدى كأنما الأصابع كلاليب صبت من فولاذ.

هكذا كان الجاغريو فوق انه فنان رقيق العاطفة والاحساس قويا شجاعا مقداما. وكما برع فى التأليف المتانى فقد برع أيضا فى تأليف الاغانى ( قطع اخدر ) أى فى نفس اللحظه .
وقد ذكر لى ابن عمنا (محمد شيخ العلامة ) أن ود الرضى قال ذات مرة ( انا شيطانى غايب لاكين الجاغريو شيطانو دايما حاضر معاهو ) مثال ذلك أنه قد انتشرت فى تلك الفترة موضة ( الكسرة ) فالاغنية العاطفية تسير على وتيرة بطيئة ثم يختمها الفنان ( بكسرة ) تلون الأغنية بلونية سريعة تطرب المستمع.

كان الجاغريو حضورا فى حفلة يحييها الفنان أحمد المصطفى فى أم ضوا بان فغنى اغنية ( بنت النيل ) للشاعر محمد بشير عتيق وما أن أوشك على نهايتها حتى تقدم الجاغريو وختم الأغنية بكسرة الفها فى نفس اللحظة والتي صارت مشهورة يرددها الناس حتى الآن وهى التى قال فيها:
يا اللابسه عفافك حله
لهجك للحنضل حلا
ود حمد يا زعيم الحله
من ريدو كيف نتحلا
شيخ إدريس قوم نتسلى
انا عقلى فارق وولى
ريدى السبب لى عله
يا صديق ياود دفع الله
يا السهمك لينا مبادر
انا فكرى نازل وسادر
فى الجيل مثالك نادر

دا الجنن عبد القادر
و ود حمد هو حمد ود مضوى شيخ الدبيبه وشيخ إدريس هو الطيب شيخ إدريس المحسى وود دفع الله هو عباس دفع الله اما عبد القادر فقد كان هو اعز الاصدقاء الأقربين للجاغريو عبدالقادر مضوى وكل هولاء الذين ذكرهم كانوا حضورا فى الحفل.

اما أحيانا قليلة فقد كان يونس شيطانة الذى يوحى له الشعر يتأخر قليلا اياما وربما اسبوع فقد حكى لى الاخ الفاتح الفكى النور من أبناء العيلفون أن الجاغريو كان صديقا لوالده مقربا منه وقبل اسبوع من الزواج قابلته أخت العريس صدفة فى الشارع فعاتبته بأن عرس أخوها وهو صديقه تبقت له اياما قليلة ولم بجماله بتأليف اغنية فى هذه المناسبة فابتسم ولم يرد. تفاجأ الناس يوم الزواج بالجاغريو يغنى اغنية حديدة اهداها لصديقه العريس وهى التى تقول :
متين العوده تاني يا روح البريد عتانى
مايسة قوامه بانه ولايكه الناس لبانه
سحرنا سحر عيونا ورسم العين سبانا
يا قلبى سرارى فيك دافن اسرارى
حبيبتك ابعدوها سكنوها البرارى

وبهذا ونختم هذه الحلقة على أمل اللقاء بكم غدا أن شاء الله فى سياحة جديدة فى شعر هذا الفنان الشجى

وسلامتكم.
هشام الخليفة القاهرة / العيلفون ٢٩/١٢/٢٠٢٠
 
أعلى