جثمان الراحلة فاطمة احمد ابراهيم على اكتاف المشييعين (الطريق)
كانت حركة السير عادية، في شارع المطار بالخرطوم، في نحو الساعة التاسعة من صباح اليوم،
لحظة الاقتراب إلى صالة الوصول بمطار الخرطوم بانتظار
وصول جثمان الرائدة النسوية والسياسية الشيوعية البارزة فاطمة أحمد إبراهيم
(1932 ـ 2017).
على عكس ما بدا عليه الأمر، بشارع المطار، حيث كان مئات النساء والرجال،
بداخل المطار تهدر حناجرهم بالهتافات ويرفعون لافتات الحزب الشيوعي السوداني،
وآخرين يرفعون صوراً لإبراهيم، فيما تنتشر العديد من سيارات الشرطة وجهاز الأمن.
أعداد الحضور كانت تزيد بإطراد، ليصل عددهم لنحو ألفين،
بحدود الساعة العاشرة وأربعين دقيقة وقت خروج العربة التي تقل الجثمان،
إلى باحة المطار الداخلية وسط حالة بكاء انتابت العديدين وهتافات ممجدة للراحلة،
وتوتر بالغ وسط قادة الأجهزة الأمنية الذين كانوا يحاولون تنظيم التشييع.
تجمع المشيعين امام منزل الفقيدة بام درمان (الطريق)
خرج موكب التشييع الذي تشكل من عشرات السيارات الخاصة والمستأجرة، من مطار الخرطوم،
حوالي الحادية عشرة والنصف، تتقدمه عربة مكشوفة، حمل عليها جثمانها، أمامها سيارة تتبع لشرطة المرور،
وعربات لجنود مدججين بالسلاح وملثمين. فيما كانت تسير بأجناب الموكب،
نحو عشر عربات تتبع لجنود جهاز الأمن السوداني، بالزي المدني.
شق موكب التشييع مساره بالقرب من مقر الحزب الشيوعي السوداني، بالخرطوم 2 ثم بالمنطقة الصناعية ،
إلى أن وصل إلى شارع الغابة ومنها كبري الفتيحاب، وصولاً إلى شارع الأربعين الذي أغلقته السلطات
في وجه المواصلات العامة، وصولاً إلى منزل الراحلة بحي الأمراء.
وبحي المهندسين بأمدرمان، انتشر العشرات من جنود الجيش.
تفاعل آلاف السودانيين، على طول الطريق من المطار وصولاً إلى العباسية،
حتى مدافن البكري مع المشيعيين، كان الكثير منهم يعلمون أنها جنازة فاطمة أحمد إبراهيم،
ومن لم يكن يعلم، كانت صورها التي يلوح بها المشيعون، تخنق تساؤله قبل أن يخرج للوجود،
فيعلم إنها فاطمة.
(الطريق) هتافات انصار الحزب الشيوعي السوداني
ماذا حدث؟ لقد التقى آلاف المشيعين القادمين من المطار بالآلاف من أهالي حي العباسية،
الذين تقدمتهم النساء، تبكين ابنة حيهن، ورجل الدين البارز الشيخ أحمد إبراهيم.
أمام مدخل الطريق الجانبي المؤدي إلى البيت، كان شبان وشابات يحملون لافتات لحزبي الأمة والاتحادي،
يهتفون باسم فاطمة، هتفوا باسمها ونضالها بذات كلمات أبناء وبنات حزبها الشيوعي،
عند وصول الجثمان إلى بيت الراحلة، كان عدد الحضور يبدو أنه قد كسر حاجز الـ10 آلاف شخص،
بينهم سياسيون مخضرمون وقياديون، لكن النساء كن الأكثر حضوراً.
على بعد عدة أمتار فقط من منزلها، يقبع مسجد والدها، حيث لن يقترح أحد أن تؤدى فيه صلاة الجنازة الإسلامية،
بسبب كثرة الحضور، ما اضطرهم للذهاب إلى ساحة ميدان الربيع الملاصق للمسجد، حيث أدى الآلاف الصلاة عليها،
إلا النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح، ووالي الخرطوم، عبد الرحيم محمد حسين
وووالي شمال كردفان أحمد هارون، بعدما منعهم مشيعون من أداء الصلاة، بل وقاموا بطردهم،
وسط هتافات داوية نددت بنظام الخرطوم، لقد قالوها علناً لا مكان لكم بيننا، بينما رشق أحد الحضور
، نائب الرئيس السوداني بالماء، كان رد فعله تبسماً غير معروف جنسه، إلا إن كان من جنس المرارات.
كان حراسه يواجهون هتافات ثائرة، أطلقت بالقرب من أذنيه وقيلت في وجهه، بعد نحو عشر دقائق كان
موكبه يشق طريق الخروج، وقتها أم الشيخ الإدريسي صلاة الجنازة.
(الطريق) لحظة محاصرة نائب الرئيس ووالي ولاية الخرطوم من قبل المشيعين
لتبدأ بعدها الرحلة الأخيرة صوب مدافن البكري، حيث توسدت فاطمة أحمد إبراهيم، الجزء الجنوبي
من المدافن الكائنة بأم درمان، غربي العاصمة السودانية.. لقد شكلت النساء نسبة
كبيرة من يوم وداع فاطمة، التي ووريت الثرى في نحو الرابعة والنصف.