كرسي جنة عدن .. يستضيف الاقتصادي/ حمد النيل عبد القادر حمد النيل ..

[احمد الحبر]

المراحل الدراسيه :-
روضه بوليس النيل الازرق مدني

كلمنا عن الوالد عبد القادر وعن تجربة البوليس .. وكلمنا عن بخت الرضا ..

 

[محمد جعفر]

الف مرحب بالعم الاستاذ / حمد النيل على صفحات منتديات العيلفون وعلى جنبات كرسي جنة عدن ..


وصراحةً ، استمتعنا جداً بجميع مُداخلاتك واجاباتك الشافية والوافية ، كما استفدنا كثيراً من المعلومات الثرة التي نثرتها لنا في هذا الكرسي وجعلتنا ننهل الكثير من معين علمكم وتجاربكم ..

ونرجو شاكرين ان تحدثنا عن حوش باشري ..


ولك خالص الود والتقدير والاحترام ، وكل عام وانت بالف خير..

 

[حمد النيل]

كلمنا عن الوالد عبد القادر وعن تجربة البوليس .. وكلمنا عن بخت الرضا ..

الابن احمد معذرة ان تأخرت في الرد ... السبب انقطاع التيار الكهربائي بفعل السيول . السؤالان كبيران ارجو ان اوفق ان ارد عليهما تباعا اذا سمح مجالكم
في فجر الاستقلال كان بعض الاداريين السودانيين الذين عملوا مع الانجليز تملأهم الوطنية و يحدوهم الامل في بناء وطن يأخذ بأسباب الحضارة و التقدم . و من بين هؤلاء ضابط اصبح فيما بعد قمندانا لبوليس مديرية النيل الازرق .
عندما ابتعث لبريطانيا للتدريب شاهد كيف تدير المحليات شؤون مجتمعاتها و كيف تختار هذه المجتمعات من يديرون العمل بكفاءة و فعالية .
خطرت لهذا الرجل فكرة ان يدير افراد البوليس شؤونهم بما يرجع عليهم بالنفع و الفائدة فأنشأ مشروع التقدم الاجتماعي لرجال بوليس مديرية النيل الازرق
كان يخصم من كل فرد مبلغ خمسين قرشا شهريا لصالح هذا المشروع .
تضمن هذا المشروع متاجر تعاونية في كل المراكز تلبي كل احتياجات الافراد المعيشية كما أنشأ صندوقا لتعليم ابناء و بنات البوليس . كان تعليمي من مرحلة الروضة و الى ان تخرجت من الجامعة على هذا المشروع
و في المجال الصحي انشأت مراكز لرعاية الامومة و الطفولة تعنى بالأم و الطفل منذ فترة الحمل الى ان يصل الطفل مرحلة الاطمئنان عليه .
كان هناك اندية ثقافية رياضية و سينما صغيرة يديرها القمندان بنفسه كان هناك عمل مكثف لاصحاح البيئة و اسبوعا للنظافة في كل شهر و مسابقات لأجمل و انظف بيت
اما الشئ الجديد و الغريب في ذلك الوقت هو روضة اطفال بوليس النيل الازرق . دخلت هذه الروضة عام 1954 و عمري خمس سنوات .
لم يكن موضوع الروضة هذا مفهوما للناس في ذلك الوقت كان يديرها جاويشا اسمه علي كرار من حلة الضناقلة شرق مدني و هو والد المرحوم البكباشي عبدالبديع علي كرار الذي تم اعدامه في محاولة انقلابية ابان حكم الرئيس عبود .
كان العم الجاويش علي كرار رجلا مستنيرا و واعيا يفهم رسالة الروضة . و اذكر ان القمندان امين احمد حسين يزورنا في الروضة في زيه العسكري المهيب و هو يحمل الحلوى و البسكويت المحشي يوزعه على الاطفال الذين تكون اجسامهم و ملابسهم نظيفة الامر الذي كان يحفزنا على ان نكون في درجة عالية من النظافة .
كان مشروع التقدم الاجتماعي يهدف الى ان يدير مجتمع البوليس نفسه بنفسه قبل ان ينتظر خدمة من حكومة او حزب او مجموعة . و كان ذلك سر نجاحه .
شاءالله ان لا يكون للسيد \ امين احمد حسين اطفال ولكن اذكر ان اي طفل ولد لأي فرد من افراد البوليس في ذلك الوقت اطلق عليه اسم امين .
الذي يدعو للأسف ان من النادر في هذا الزمان ان نجد مثل هذا الفهم المتقدم .
رويت هذه القصة لتكون مثلا يستفيد منهم الشباب في خدمة مجتمعاتهم
(للحديث بقية )​

 

[حمد النيل]

في عام 1944 تقدم اثنان من ابناء العيلفون للالتحاق ببوليس النيل الازرق هما عبد القادر حمد النيل و احمد محمد عبدالقادر (الحميدي) . و عندما تم تعيينهما سكنا معا تشرف على معيشتهما حبوبة بت منصور . و بعد فترة انتقل العم الحميدي لبوليس مديرية الخرطوم و بقي عبدالقادر حمدالنيل ببوليس النيل الازرق .
كانت مديرية النيل الازرق تمتد من بتري شمالا الى الكرمك جنوبا و كان الوالد يتنقل بالاسرة في كل انحاء المديرية حيث ولدت في الحاج عبدالله وبدأت اعي ما حولي في مدينة الرصيرص و كان عمري ثلالث سنوات . و رغم صغر سني اتذكر كل شئ بالتفصيل .
اكثرالمدن ثأثيرا في حياتي مدينة ودمدني التي درست فيها المرحلة الاولية و مدينة الدويم التي درست فيها المرحلة الوسطى و الثانوية .
ترعرت في بيئة عسكرية خالصة تقوم على الضبط و الربط و قبل دخول المدرسة عشت في معسكر بوليس ودمدني بعيدا عن المدينة و قريبا من رئاسة البوليس و كان المعسكر يسمى الاشلاق او الأورطة .
كنا في صغرنا نحفظ كل المارشات العسكرية و نعرف لغة البروجي و هو البوق الذي يرسل اصواتا مختلفة ولكل صوت معنى يفهمه العساكر . اذكر عندما كان عمري ست سنوات انطلق صوت البروجي عصرا بنغمة كنا نعرف ماذا تعني . فاندفعنا رجالا و نساء و اطفالا الى خارج البيوت و انطلق الرجال الى الرئاسة ركضا . وقفنا ننتظر الخبر ... و عندما رجع الرجال كان الانزعاج باديا على وجوههم و بدأوا في لبس زي عسكري خاص كنا نعرفه و اخبرونا بأن تمردا قد حدث في الجنوب و ان الجنوبيين يعملون ذبحا في الشماليين . في تلك اللحظة لم افهم كلمة تمرد و لا كلمة شماليين .
امتلأت العربات بالرجال يحملون اسلحتهم وعتادهم و انطلقنا نحن الاطفال و النساء على اثرهم لوداعهم في محطة السكة حديد . كان ذلك اول تمرد في الجنوب في اغسطس 1955 في مدينة توريت .
كان الوالد متحريا او محققا جنائيا بارعا و له طريقته في كشف الجرائم الغامضة و في ذلك قصص كثيرة لا يتسع المجال لذكرها . و لكن ما أريد ان اذكره هنا انه كانت له مقدرة فائقة في الفصل بين الخاص و العام . كان لايخلط الاوراق و لايشخصن المواقف وفي ذلك طرائف كثيرة اذكر منها ثلاثا .
كنت في المدرسة الوسطى بمدينة الدويم و اذكر انني استلفت من احد اصدقائي بالمعسكر افلاما تشبه عفاريت الصور الفوتوغرافية صنعت لها صندوقا بداخله بطارية ذاات ضوء قوي و للصندوق فتحة مربعة من الامام . وعندما اضئ البطارية تظهر الصورة على الحائط من خلال هذه الفتحة .
حضر الوالد يوما ووجدني العب بهذه الافلام فصوب بصره عليها بقوة ظننته من اعجابه بها و لكنه بادرني بسؤال قوي
- من اين اتيت بهذه الافلام .
- اعطاني اياها جلال عوض .
- انت و جلال عوض و من معكما اتبعوني الى المكتب ... هناك بلاغ من بخت الرضا حول هذه الافلام .
هنا جن جنوني و جريت الى جلال و اخيه ايوب لأخبرهما ثم انطلقنا الى مركز البوليس .
تم ادخالي اولا للمتحري الذي هو والدي فوقفت امامه في حالة انتباه و كانت امامه يومية التحري و بدأ في استجوابي
- اسمك بالكامل
- حمدالنيل عبدالقادر حمدالنيل
- عمرك
- 12 عاما
- مهنتك
- طالب بمدرسة الدويم الريفية الوسطى
- مكان السكن
- اشلاق البوليس
و استمر التحقيق حتى النهاية . وفي النهاية تلى الوالد علي اقوالي
- هل هذه اقوالك
- نعم
تم التحقيق مع اصحابي تباعا . و القصة و ما فيها ان الاخ جلال عوض و اخوه ايوب و بعض الاصحاب كانوا في فترة الاجازة يتجولون في بخت الرضا و وجدوا مكتبا مفتوحا في شعبة الجغرافيا حيث دفعهم الفضول و حب الاستطلاع للدخول و وجدوا هذه الافلام وهي تصور بعض قبائل السودان فأخذوا بعضها لمجرد اللعب بها .
جاء والد الاخ جلال هو عسكري نفر من الهجانة و اطلق سراحنا بضمانة و رجعنا كلنا الى الاشلاق الوالد و العم عوض و اصحابي و كأن شئ لم يكن . و عندما جاء يوم المحكمة تم الحكم على اصحابي بالجلد اما عقوبتي انا فكانت التوبيخ و الزجر .
الطرفة الثانية حدثت ايضا في الدويم و هي ان الوالد قابل بالصدفة احد اصدقاء طفولته في السوق فسر سرورا شديدا بهذا اللقاء و دعاه للمنزل و اقام له وليمة عزم لها الجيران و اذكر ان حبوبتي كانت مسرورة جدا تتونس م هذا الضبف و تستعيد الذكريات .
الذي لم اكن اعرفه ان هذا الضيف من اصحاب السوابق في كسر الدكاكين .
و بعد صلاة المغرب خرج الوالد مع الضيف و كان من عادة الوالد الرجوع للمكتب للانتهاء من ماتبقى من عمل . وعندما وصلا المكتب استدعى الوالد الجاويش النبطشي و طلب منه ان يضع الضيف تحت الحراسة حتى الصباح و ان يحضر له من عنبر البوليس مرتبة و ملاية نظيفة تليق به و اعطاه مبلغا من المال للعشاء
و في الصباح حملنا ان و الوالد الشاي و القهوة و الليمون و الفرشاة و المعجون و البشكير للضيف الذي بات في الحراسة . و الغريب في الامر انهما كانا يتونسان و هما يشربان الشاي و القهوة كأن شيئا لم يكن .
بعد ذلك استدعى الوالد سائق الكومر و ركبنا مع الضيف الى موقف باصات امدرمان . قطع الوالد تذكرة للضيف و ودعه بمثل الحفاوة التي استقبله بها .
كدت اموت من الحرج و الخجل . قلت للوالد هذه فضيحة قال لي ( هل تعتقد ان فلان هذا جاء للدويم للالتحاق بمعهد بخت الرضا ...هذه خطة مدبرة لو لم اضعه قي الحراسة لكسرت كل دكاكين السوق . ان واجب رجل البوليس منع الجريمة قبل وقوعها )
لقد قام بواجب الضيافة ولكنه لم يهمل واجبه كرجل بوليس .
الطرفة الثالثة
كان الوالد حكمدارا لنقطة الجنيد في العام 1966 و عندما تم ترفيع النقطة الى رتبة الملازم تم تعيين العم عثمان يوسف حاج علي حكمدارا لها . وفي يوما من الايام مثل امامه الوالد و بعض العساكر في عمل رسمي . كان العم عثمان يتحدث بينما كان الوالد ينظر من خلال النافذة . و فجأة قفز من النافذة لأمر يهمه و عندما رجع صاح فيه العم عثمان :-
- رقيب اول عبدالقادر حمدالنيل
- نعم جنابك
- انت محبوس
- حاضر جنابك ...
ثم ادى التحية و خرج من المكتب الى الكركون .
كان العم عثمان و الوالد و انا نتغدى يوميا مع بعض و في ذلك اليوم تغدينا انا و العم عثمان فقظ فقد كان الوالد في الحبس . وكأن شيئا لم يكن . للذين لا يعلمون ان العم عثمان هو ابن خال الوالد .
سقت هذه الحكايات الثلاث لأبين لأبنائنا الشباب الذين نأمل فيهم لقيادة مجتمعهم ان يبتعدوا عن خلط الاوراق و شخصنة المواقف و الاستسلام للعواطف غير المجدية فهي من مسببات العزوف عن الحوار المعافى و من مسببات توليد الضغائن والمشاحنات التي تعيق تقدم المجتمع
في الختام اقول لأخواني و أبنائي في المنتدى انني سعدت كثيرا بصحبتكم خلال شهر رمضان المعظم اعاده الله علينا و عليكم باليمن و البركات و ارجو لكم كل النجاح في مسعاكم كما ارجو ان لا اكون قد اثقلت عليكم . وفقكم الله لخدمة وطنكم العيلفون و كل عام و انتم بخير