ولكن.. أين الاستثمار السعودي؟؟

عثمان ميرغني

صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرت أمس خبراً أدهشني كثيراً.. تحت عنوان (السودان يجهز لاستقبال أكبر بعثة تجارية سعودية في سبتمبر) يقول نصه (تتهيأ الخرطوم لاستقبال أكبر بعثة تجارية سعودية في سبتمبر (أيلول) المقبل، تضم نحو 30 من المصدرين والرؤساء التنفيذيين للشركات، بهدف استكشاف الأسواق السودانية، وبحث فرص التعاون مع قطاعات المستوردين...).
بعد انفتاح علاقات السودان مع السعودية خلال السنوات الماضية.. كنا نتوقع العكس تماماً أن يكون السودان جاهزاً لاستقبال كبار المستثمرين السعوديين لتأسيس مشروعات استثمارية ضخمة في السودان.. و المساعدة في تطوير صادراتنا لكل الدول وعلى رأسها السعودية..
لكن الخبر الآن يبشرنا بأن السودان يستعد لمزيد من (الاستيراد).. وبدلاً من أن تكون السعودية –بكل ثقلها الاقتصادي- سوقاً للصادرات السودانية، فإذا برجال الأعمال السعوديين يرتبون لأرسال (أكبر بعثة تجارية لتسويق الصادرات السعودية للسودان).
السعودية واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية وأكثر استقراراً.. ولها شركات ورجال أعمال نجحوا في تأسيس مشروعات ناجحة في كل دول العالم وفي مختلف المجالات.. وبالطبع هؤلاء المستثمرون السعوديون سيكونون أكثر حماساً إذا توفرت لهم فرص الاستثمار على مرمى حجر من السعودية.. لكن واضح أن العقبة الكوؤد التي ظلت تحرم رأس المال السعودي من الازدهار في السودان لا تزال قائمة.. فقبل عدة سنوات جاءت إلى السودان شركة "المراعي" وهي واحدة من أكبر الشركات السعودية في مجال التصنيع الزراعي والحيواني.. وحاولت الشركة الكبرى – هدراً- أن تضع أقدامها في التربة السودانية الموحلة لكنها في نهاية المطاف أصدرت بياناً قالت فيه أنها مضطرة للرحيل.. هل تصدقوا إلى أين؟ إلى الأرجنتين.. وفعلاً حملت "خفي حنين" من السودان ويممت شطر الأرجنتين لا لتستثمر في "كرة القدم" بل في الزراعة ذات الذي يفترض أن يكون السودان رقماً عالمياً فيه.. ونجحت الشركة السعودية أيما نجاح.. في الأرجنتين.. وليس في السودان!!
الآن؛ وبعد طول انتظار بدلاً من تأتي إلى السودان وفود المستثمرين السعوديين، تبشرنا الأخبار ب(أكبر بعثة تجارية سعودية للتصدير إلى السودان).
ولا نلوم السعودية بالطبع؛ فهي كما الدول أجمع تبحث عن أسواق لصادراتها؛ لكننا نأسى على الاستثمار في السودان الذي لا يبدو أنه يثير قلق أحد.. بل وفود المستثمرين السودانيين أنفسهم تطير إلى الخارج تبحث عن ملاذات آمنة.. بعيداً عن هجير بيئة الاستثمار الطاردة.
إصلاح الاقتصاد السوداني يبدأ بإصلاح بيئة الاستثمار.. وصفة لا تحتاج إلى بطل.. تبدأ بمحاربة الفساد الذي يفر منه المستثمر كما يفر الرجل من الذئب الجائع، ثم سيادة القانون ليطمئن المستثمر أن ما هو مكتوب على الورق هو ما سيكون.. وقبل كل هذا الطاقة والنقل والوجه الإداري الحسن..
لا أصدق أن الحكومة لم تسمع بما سمعناه نحن من المستثمرين.. فإما هي راضية بالذي يتعرض له المستثمر أو متواطئة أو لا مبالية.. أو كلها معاً..!
التيار
 
أعلى