أخي الفاضل ياسر: ما أوردته من أحداث في رواية ترجمان الملك ليس مختلفاً حوله اختلافاً يعتد به فقد حرصت جداً وأنا أكتب رواية "ترجمان الملك" أن أورد ما رجحه العلماء من أحداث تاريخية أو آراء فقهية وألا أذكر الشاذ أو ما ورد حوله خلاف كبير . وبهذا فإن إيراد قراءة سورة الرحمن على أنها مكية هو قول جمهور أهل العلم من الصحابةِ والتابعينَ والمتقدمين والمتأخرين العلماء ولم يشذ عنه إلا القليل ممن خالف الجمهور وهاك الدليل:
قال الإمام السيوطي -رحمه الله- : الجمهور على أنها مكية، وهو الصواب . انظر: الإتقان للسيوطي. قال الإمام القرطبي في التفسير (17/151): والقول الأول -أنها مكية- أصح لما روى عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن مسعود، وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: إنا نخشى عليك، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى ثم قام عند المقام فقال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها، فتأملوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟ قالوا: هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه. وصح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام يصلي الصبح بنخلة، فقرأ سورة (الرحمن) ومر النفر من الجن فآمنوا به.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر خلافاً لقتادة .
وعند الترمذي أنها مكية:
فقد روى الترمذي عن جابر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أصحابه فقرأ عليهم سورة (الرحمن) من أولها إلي آخرها فسكتوا، فقال: (لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد) قال الترمذي: هذا حديث غريب. وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم. والحديثُ حسنه شيخي الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة .
وعلى هذا فغالب من قال أنها مكية استدل بخبر ابن مسعود علماً بأن أن غالب أئمة المفسرين قالوا: بأنها مكية وليست مدنية. وإليك التفاسير التي قالت إنها مكية:
الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسيره
الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم.
الإمام القرطبي في تفسيره.
الإمام البغوي في معالم التنزيل
الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان.
الفيروز آبادي في تنوير المقباس في تفسير ابن عباس
الواحدي في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.
السمعاني في تفسير القرآن.
السيوطي في كتابه الإتقان.
الشوكاني في فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير.
الآلوسي في روح المعاني.
ابن ناصر السعدي في تيسير الكريم الرحمن
ولم يقل بأنها مدنية إلا السمرقندي في بحر العلوم والزمخشري في الكشاف.
وأما البيضاوي وابن الجوزي فلم يرجحا قولاً على قول
وأما أهل السير فقد أوردوا أن ابن مسعود قرأها على أهل قريش بمكة قبل الهجرة إلى الحبشة وأنه أوذي في سبيل هذا وعلى هذا فلا اعتداد بقول من يقول إنها مدنية لأن جمهور العلماء والمفسرين أن سورة الرحمن مكية.
وبهذا يتبين لكم أنني لم أورد في الرواية إلا ما هو راجح ثابت وليس مختلفاً عليه اختلافاً بيناً. والله تعالى أعلم.