الحاج مضوي محمد أحمد : شيخ السياسيين السودانيين و واحد المناضلين من أجل استقلال السودان
حاوره: عادل عبد الرحيم- محمد عبد الحكم
شيخ السياسيين السودانيين وعميدهم الحاج مضوي محمد أحمد قضى سنوات طويلة من عمره تجاوزت السبعين عاما في العمل السياسي، وهو من الرعيل الأول الذي ناضل من أجل استقلال السودان حتى تحقق، مناضلٌ صلبٌ ذو بأس ورأي، شهد كل العهود التي مرت على البلاد الديمقراطية والعسكرية فعرفته المنابر متحدثا يجهر بالقول في أحلك الظروف، وخبرته السجون والمعتقلات مقاتلا في صفوف حزبه دفاعا عن مبادئه التي آمن بها مما جعله محل تقدير واحترام لخصومه قبل مؤيديه، فهو الرجل الذي قيل فيه لو كان النيل وشاحا لاستحق أن يوشّح به الحاج مضوى محمد أحمد.
الميلاد والنشأة؟
من مواليد العيلفون في 1915 وهذا عمر تقديري بالحساب وليس لي شهادة ميلاد، ففي ذلك الوقت لم تكن الشهادات موجودة. نشأت يتيم الوالدين فقد توفيت والدتي رحمها الله بعد الرضاعة مباشرة، وبعد انتقالها بعامين لحق بها والدي. وأنا أصغر أشقائي (أخ، أخت)، لذلك ترعرت تحت كنف جدّي (والد أمي)، وقد أولوني رعاية واهتماماً مما خفّف من فقد والدي مبكراً، وكانوا مصدر سعادتى وفخرى، التحقت أثناء تواجدي معهم بخلوة الفكي الأمين شنان وأيضا خلوة إبراهيم شنان وكانت إحداهما تقع في منتصف الحي، والأخرى في نهايته، وتخرجت من هذه الخلاوي ولم التحق بالمدارس التي كانت قليلة جدا في ذلك الوقت.
وبعد الخلوة؟
وبعد الخلوة كنت أذهب مع إخوتي لبيع البلح والليمون نشتريه من أصحاب "الجناين" ونبيعه في السوق، وأيضا كنا نجمع باقي الفول من المزارع ونبيعه، وأذكر أيضا أننا كنا نشتري البيض (11بيضة بقرش) ونذهب بها للسوق فنبيع البيضة بقرش.
وفي تلك الفترة جاء أعمامي وطلبوا من جدي أن يأخذوني معهم للخرطوم فرفض جدي طلبهم حيث كانوا يملكون "دكاكين" في الخرطوم، ولكن تحت إصرارهم وإلحاحهم وافق جدي على ذلك، وذهبت للخرطوم وخرجت من الخلوة وكنت قد انتهيت من سورة الرحمن ولم "أُختن" بعد، حيث كان الختان يتم في عمر أكبر من الآن بكثير، فأقمت مع عمي الذى يسكن في الخرطوم تلاتة جوار ميدان عبد المنعم وكنت أذهب للعيلفون يوم الخميس في آخر الأسبوع.
وكيف كانت علاقتك بالعمل السياسي في ذلك الوقت؟
لم تكن لديّ علاقة بالسياسة في حينها، وجُل اهتمامي بعملي فقط حتى تزوجت في عام 1937م، إلى أن ظهر مؤتمر الخريجين بفكرة من أحمد خير المحامي في عام 1938، وبدأت أجد نفسي معجبا بالزعيم إسماعيل الأزهري ومشدوداً إليه والذي كان يخطب في الندوات السياسية ومنذ ذلك الوقت أصبحت من المتابعين لندواته، ثم تكوّن مؤتمر الخريجين وحتى ذلك الوقت لم أكن منتسبا لهم، وكان هناك أيضا (الأنصار) لكني كنت أميل لإسماعيل الأزهري والرجال الذين من حوله، وبعد ذلك أصبحت ناشطا في العمل السياسي الذي تشرفت بالعمل فيه، ولم انضم لمؤتمر الخريجين لأنني خريج خلوة حتى جاء قرار أن كل من (يفك الخط) يمكن أن يصبح عضوا في المؤتمر وبذلك انتسبت له.
هناك قول إن هذا القرار قُصد به ضمك لمؤتمر الخريجين؟
لم أكن وحدي، هناك آخرون دخلوا معي المؤتمر من الذين يفكون الخط، صحيح هناك رأي أن القرار سببه الصراع حول رئاسة المؤتمر بين إبراهيم أحمد وإسماعيل الأزهري، وإن منحنا عضوية المؤتمر للمشاركة في التصويت لأحدهما، وأنا كنت من المحبين لإسماعيل الازهري، ووجدني الجميع في ذلك الوقت ناشط ومخلص ومندفع (لديّ حب كبير للأزهري) الذى كان يلتف حوله رجال أخيار وتجدني أتحسر على تلك الأيام بخيرها وشرّها.
وكيف كان الاستعمار في ذلك الوقت, هل كان قامعا للشعب ومُذلا له؟
أقول لكم حقيقة إن الاستعمار الانجليزي كان أفضل من المستعمرين الآخرين (الفرنسين والالمان)، فالانجليز هم أصحاب سياسة ولا يميلون للعنف، فتجد السياسة عندهم أكثر من العنف، والدول التي استعمرها الانجليز تجدها أفضل حالا من غيرها، ولكن بالرغم من كل ذلك فالوجود الأجنبي وحكمه للبلاد لا يعجب أحد.
وأكثر ما يميز الإنجليز إلتزامهم بوعودهم التي قطعوها بأن من يقاتل معهم من الدول سيُمنح الاستقلال، وفعلا أوفوا بوعدهم، وكان للسودان دور في حرب 1914حيث شارك بقوات (دفاع السودان) التي حاربت معهم في الحرب العالمية.
حديثك يعضّد رؤية البعض بأن الاستقلال جاء منحة من الانجليز؟
الاستقلال جاء بعد نضال شديد وقناعة وصراع، نعم كان هناك وعد مسبق من الإنجليز وهم أوفوا بوعدهم، لكن هذا لا يعني أنه منحه، فقد ناضل الجميع وضحّوا من أجل استقلال السودان، وكان للأزهري وزملائه دور مقدر في ذلك، فقد طالبوا بالاستقلال، أما الختمية فكانوا مع الاتحاد مع مصر.
ولكن الاتحاد مع مصر كان هو شعار للوطني الاتحادي؟
نعم ولكن (البيوت مختلفة كما القبائل). والأزهري من مؤتمر باندونق أعلن استقلال السودان. ما صحة أن الازهري وقّع الاتفاقية بدمه؟!!
لم أسمع بهذا الكلام من أحد، وحتى الأزهري لم يقل ذلك، ولماذا يوقع بدمه؟ والقلم والحبر موجودان. هناك اتهام لحكومة الأزهري أنها المتسببة في أحداث عنبر جود؟
ما حدث في عنبر جودة خطأ من البوليس وليس من أزهري وحكومته، فالعنبر الذى سجن فيه المواطنون كان مليئا (بالكيماويات)، وهي التي أدت لقتل الناس وهذا خطا دُفع ثمنه.
وهل هذا هو السبب في سقوط حكومة أزهري؟
لم تكن هذه الحادثة هي السبب، هناك سبب آخر، حيث قام السيد علي الميرغني بأمر ثلاثة من أعوانه في البرلمان بالوقوف ضد ميزانية الحكومة وهم (طيفور محمد شريف، عبد النبي عبد القادر وحسن محمد زكي)، وكان إسماعيل الأزهري في ذلك الوقت يودع القائد العام للجيش، ولما عاد وجد أن ميزانيته سقطت فقدم استقالته، وهاجت الجماهير وعبّرت عن غضبها وأسمعت الجميع صوتها ورأيها ضد استقالة الزعيم الأزهري فعاد بعد يومين فقط من ذلك ورجع للحكم.
ولماذا أسقط السيد علي الميزانية؟
لم يكن السيد علي يقصد اسقاط الميزانية بل الحكومة، نكاية بالأزهري لأنه لم يستجب لطلبه، لذلك أسقط الميزانية والتي من خلالها سقطت الحكومة. ولكن عنبر جودة لم يسقط الحكومة رغم اتهامات الشيوعيين لها بأنها السبب في مقتل أبرياء في عنبر جودة لأن ازهري ليس عسكريا، والخطأ الذي وقع مسئولية الضباط وهو خطأ من البوليس.
وأول انتخابات اكتسحها الاتحادي بأغلبية لم تتكرركيف وصلتم لذلك ؟
اكتسحنا الانتخابات بقيادة الأزهري ورجاله الكواكب "يحيى الفضلى (الدينمو)، والمبارك زروق، ومحمد نور الدين"، ومن بعدها خاض أزهري معركة استقلال السودان من داخل البرلمان، ونجح في اصدار قرار بذلك، وهناك من صمت عن القرار مثل محمد نور الدين الذي كان من أشد المؤيدين لوحدة وادي النيل، وصمت عليه رغم أنه كان مخلص لايمانه العميق بأن مصر والسودان دولة واحدة بُني بينها حائط، ويجب أن يُزال وكان هو آخر نائب خرج من البرلمان فى تلك الجلسة، وهناك من تعامل مع القرار على أنه أمر واقع، فقد اتعظوا من التجارب السابقة.
وكيف أصبح قرار الاستقلال أمر واقع؟
لأن الأمة السودانية كانت أجمعت على الاستقلال ووقفت معه وأيدته، فالسيد علي لم يبدىء معارضة لأزهري في ذلك، والسيد عبد الرحمن المهدي كان مع الاستقلال.
هل لحكومة أزهرى أيادٍ في وصول السلطة الى عبود أم هي مسؤولية السيدين؟
أزهري لم يكن له دور في تسليم عبود السلطة، الذي تم هو اتفاق بين السيدين. أولا العلاقة بين أزهري والسيد علي لم تكن جيدة، والمصريون أوعزوا للسيد علي بأن يذهب للسيد عبد الرحمن. (الختمية والأنصار) اتفقوا على أن يشكلوا الحكم فيما بينهم، الرئيس عبود ختمي من أتباع (ستي مريم)، أما عبد الله خليل فقد أحضره السيد عبد الرحمن المهدي، حكومة عبد الله خليل تعرضت لضغوطات من الاتحاديين فطلع عبدالله خليل من الحكومة وسلمها لعبود وهو رجل فاضل ووطني يشهد له بأنه لما تحركت الأحزاب ضد حكومته سلم السلطة ولم يقاوم ولم يستخدم القوة والعنف. ومن الذي حرّك الجماهير حتى سقطت سلطة نوفمبر58 عبر ثورة أكتوبر
الأحزاب الاتحادية هي كانت الأقوى، وهي من قامت بتحريك الجماهير لإسقاط نظام عبود ونجحت في ذلك. ماذا عن الرأي القائل إن ندوة الترابي هي السبب في انتفاضة أكتوبر 64؟
الندوة وخلافها، فالناس كانوا مهيئين وتمت تعبئتهم، والرئيس عبود لم يكن راغب أصلاً في الحكم فلم يكن اختياره, هو جُلب جلبا ليحكم، لذلك كان هناك سهولة في تنازله عن السلطة.
السبب الذي ساعد على نجاح الثورة هو رغبة عبود في التنازل عن الحكم، لأنه لو لم يتنازل لما نجحت ثورة أكتوبر فقد كان بإمكانه أن يستخدم القوة ليبقى في السلطة، ولكنه لم يفعل ذلك وهذه محمدة في تاريخه.
تواجهت مع الترابي في الانتخابات البرلمانية في الديمقراطية الثانية وفزت عليه كيف تم ذلك؟
هناك قصة قبل أن ينزل الترابي في الدائرة ضدي، وهي أنني نزلت في دائرة المسيد في الانتخابات بناء على طلب أهل المنطقة الذين جاؤوا لعمّي وطلبوا منه أن أترشح في دائرتهم، وبعد مفاوضات نجح الأهالى في مقصدهم، وبالفعل ترشحت في دائرة المسيد لي فيها أهل في (الجديد خليفة) هم أهلي لأبي إضافة إلى أننى كنت أعمل بتجارة الإسبيرات وأعرف معظم أهالي المنطقة، ونزل ضدّي ود التكينة من الاسلاميين ومهدي العشا وفزت في الانتخابات، وجاء بعدي ود التكينة بفارق الف صوت تقريبا لذلك ظن الاسلاميون أنهم إذا أحضروا الترابي ونزل في الدائرة سيكتسحها.
الترابي عرف عنه الدهاء السياسي فكيف تفوقت عليه في تلك الانتخابات؟
أهالي المنطقة لم يقبلوا دعوته معظمهم طائفيين وختمية، فهم أقرب للصوفية من الإسلاميين، إضافة إلى الاسباب التي قلتها سابقا عن أن أهل المنطقة أهلي وأيضا معرفتي بمعظمهم من خلال تجارتي معهم، وكذلك كان معي عنصر ممتاز كان له دور في نجاحي، وهو الشيخ الفكي عثمان من (أولاد ود بدر) يؤيدني وهذا خلاف أن الترابي متعلم من فرنسا وقادم من بلاد "الخواجات"، وليس له علاقة بالناس في المنطقة و"السودان" فصوتت الجماهير لي وفزت بأصوات كبيرة.
طرد الشيوعيين من البرلمان؟
أنا أحد الخمسة الذين طالبوا بطرد الحزب الشيوعي من البرلمان، فقد كان الرئيس أزهري قد وعد الجماهير الغاضبة بطرد الشيوعيين من البرلمان. وأنا علي أن أساعد في تنفيذ وعد الرئيس فطردناهم من البرلمان، "وماجبنا خبر" لمحاولات بابكر عوض الله الذي حكم لهم بالرجوع، فكان هو على خلاف مع الأزهري وحاقد عليه من قبل، بسبب أن الازهري قبل استقالته عندما تقدم بها. الديمقراطية الثانية هي التي حدثت بها بعض الانجازات لماذا كانت الأفضل؟
حكومة أزهري كانت حكومة تحرير وليس عملية تعمير، أزهري كان محاطا بكثير من المشاكل والضغوطات. الحكومة التانية كان عرابها الشريف حسين, والشريف جاء الحزب في سنة 57 بعد مشروع المناقل الذي نفذه ميرغني حمزة وتقدم بطلب للانضمام للحزب ووافق أزهري، ورغم أنه (جاء متأخر) لكنه تفوق على الناس القديمين في عطائه.
حاوره: عادل عبد الرحيم- محمد عبد الحكم
شيخ السياسيين السودانيين وعميدهم الحاج مضوي محمد أحمد قضى سنوات طويلة من عمره تجاوزت السبعين عاما في العمل السياسي، وهو من الرعيل الأول الذي ناضل من أجل استقلال السودان حتى تحقق، مناضلٌ صلبٌ ذو بأس ورأي، شهد كل العهود التي مرت على البلاد الديمقراطية والعسكرية فعرفته المنابر متحدثا يجهر بالقول في أحلك الظروف، وخبرته السجون والمعتقلات مقاتلا في صفوف حزبه دفاعا عن مبادئه التي آمن بها مما جعله محل تقدير واحترام لخصومه قبل مؤيديه، فهو الرجل الذي قيل فيه لو كان النيل وشاحا لاستحق أن يوشّح به الحاج مضوى محمد أحمد.
الميلاد والنشأة؟
من مواليد العيلفون في 1915 وهذا عمر تقديري بالحساب وليس لي شهادة ميلاد، ففي ذلك الوقت لم تكن الشهادات موجودة. نشأت يتيم الوالدين فقد توفيت والدتي رحمها الله بعد الرضاعة مباشرة، وبعد انتقالها بعامين لحق بها والدي. وأنا أصغر أشقائي (أخ، أخت)، لذلك ترعرت تحت كنف جدّي (والد أمي)، وقد أولوني رعاية واهتماماً مما خفّف من فقد والدي مبكراً، وكانوا مصدر سعادتى وفخرى، التحقت أثناء تواجدي معهم بخلوة الفكي الأمين شنان وأيضا خلوة إبراهيم شنان وكانت إحداهما تقع في منتصف الحي، والأخرى في نهايته، وتخرجت من هذه الخلاوي ولم التحق بالمدارس التي كانت قليلة جدا في ذلك الوقت.
وبعد الخلوة؟
وبعد الخلوة كنت أذهب مع إخوتي لبيع البلح والليمون نشتريه من أصحاب "الجناين" ونبيعه في السوق، وأيضا كنا نجمع باقي الفول من المزارع ونبيعه، وأذكر أيضا أننا كنا نشتري البيض (11بيضة بقرش) ونذهب بها للسوق فنبيع البيضة بقرش.
وفي تلك الفترة جاء أعمامي وطلبوا من جدي أن يأخذوني معهم للخرطوم فرفض جدي طلبهم حيث كانوا يملكون "دكاكين" في الخرطوم، ولكن تحت إصرارهم وإلحاحهم وافق جدي على ذلك، وذهبت للخرطوم وخرجت من الخلوة وكنت قد انتهيت من سورة الرحمن ولم "أُختن" بعد، حيث كان الختان يتم في عمر أكبر من الآن بكثير، فأقمت مع عمي الذى يسكن في الخرطوم تلاتة جوار ميدان عبد المنعم وكنت أذهب للعيلفون يوم الخميس في آخر الأسبوع.
وكيف كانت علاقتك بالعمل السياسي في ذلك الوقت؟
لم تكن لديّ علاقة بالسياسة في حينها، وجُل اهتمامي بعملي فقط حتى تزوجت في عام 1937م، إلى أن ظهر مؤتمر الخريجين بفكرة من أحمد خير المحامي في عام 1938، وبدأت أجد نفسي معجبا بالزعيم إسماعيل الأزهري ومشدوداً إليه والذي كان يخطب في الندوات السياسية ومنذ ذلك الوقت أصبحت من المتابعين لندواته، ثم تكوّن مؤتمر الخريجين وحتى ذلك الوقت لم أكن منتسبا لهم، وكان هناك أيضا (الأنصار) لكني كنت أميل لإسماعيل الأزهري والرجال الذين من حوله، وبعد ذلك أصبحت ناشطا في العمل السياسي الذي تشرفت بالعمل فيه، ولم انضم لمؤتمر الخريجين لأنني خريج خلوة حتى جاء قرار أن كل من (يفك الخط) يمكن أن يصبح عضوا في المؤتمر وبذلك انتسبت له.
هناك قول إن هذا القرار قُصد به ضمك لمؤتمر الخريجين؟
لم أكن وحدي، هناك آخرون دخلوا معي المؤتمر من الذين يفكون الخط، صحيح هناك رأي أن القرار سببه الصراع حول رئاسة المؤتمر بين إبراهيم أحمد وإسماعيل الأزهري، وإن منحنا عضوية المؤتمر للمشاركة في التصويت لأحدهما، وأنا كنت من المحبين لإسماعيل الازهري، ووجدني الجميع في ذلك الوقت ناشط ومخلص ومندفع (لديّ حب كبير للأزهري) الذى كان يلتف حوله رجال أخيار وتجدني أتحسر على تلك الأيام بخيرها وشرّها.
وكيف كان الاستعمار في ذلك الوقت, هل كان قامعا للشعب ومُذلا له؟
أقول لكم حقيقة إن الاستعمار الانجليزي كان أفضل من المستعمرين الآخرين (الفرنسين والالمان)، فالانجليز هم أصحاب سياسة ولا يميلون للعنف، فتجد السياسة عندهم أكثر من العنف، والدول التي استعمرها الانجليز تجدها أفضل حالا من غيرها، ولكن بالرغم من كل ذلك فالوجود الأجنبي وحكمه للبلاد لا يعجب أحد.
وأكثر ما يميز الإنجليز إلتزامهم بوعودهم التي قطعوها بأن من يقاتل معهم من الدول سيُمنح الاستقلال، وفعلا أوفوا بوعدهم، وكان للسودان دور في حرب 1914حيث شارك بقوات (دفاع السودان) التي حاربت معهم في الحرب العالمية.
حديثك يعضّد رؤية البعض بأن الاستقلال جاء منحة من الانجليز؟
الاستقلال جاء بعد نضال شديد وقناعة وصراع، نعم كان هناك وعد مسبق من الإنجليز وهم أوفوا بوعدهم، لكن هذا لا يعني أنه منحه، فقد ناضل الجميع وضحّوا من أجل استقلال السودان، وكان للأزهري وزملائه دور مقدر في ذلك، فقد طالبوا بالاستقلال، أما الختمية فكانوا مع الاتحاد مع مصر.
ولكن الاتحاد مع مصر كان هو شعار للوطني الاتحادي؟
نعم ولكن (البيوت مختلفة كما القبائل). والأزهري من مؤتمر باندونق أعلن استقلال السودان. ما صحة أن الازهري وقّع الاتفاقية بدمه؟!!
لم أسمع بهذا الكلام من أحد، وحتى الأزهري لم يقل ذلك، ولماذا يوقع بدمه؟ والقلم والحبر موجودان. هناك اتهام لحكومة الأزهري أنها المتسببة في أحداث عنبر جود؟
ما حدث في عنبر جودة خطأ من البوليس وليس من أزهري وحكومته، فالعنبر الذى سجن فيه المواطنون كان مليئا (بالكيماويات)، وهي التي أدت لقتل الناس وهذا خطا دُفع ثمنه.
وهل هذا هو السبب في سقوط حكومة أزهري؟
لم تكن هذه الحادثة هي السبب، هناك سبب آخر، حيث قام السيد علي الميرغني بأمر ثلاثة من أعوانه في البرلمان بالوقوف ضد ميزانية الحكومة وهم (طيفور محمد شريف، عبد النبي عبد القادر وحسن محمد زكي)، وكان إسماعيل الأزهري في ذلك الوقت يودع القائد العام للجيش، ولما عاد وجد أن ميزانيته سقطت فقدم استقالته، وهاجت الجماهير وعبّرت عن غضبها وأسمعت الجميع صوتها ورأيها ضد استقالة الزعيم الأزهري فعاد بعد يومين فقط من ذلك ورجع للحكم.
ولماذا أسقط السيد علي الميزانية؟
لم يكن السيد علي يقصد اسقاط الميزانية بل الحكومة، نكاية بالأزهري لأنه لم يستجب لطلبه، لذلك أسقط الميزانية والتي من خلالها سقطت الحكومة. ولكن عنبر جودة لم يسقط الحكومة رغم اتهامات الشيوعيين لها بأنها السبب في مقتل أبرياء في عنبر جودة لأن ازهري ليس عسكريا، والخطأ الذي وقع مسئولية الضباط وهو خطأ من البوليس.
وأول انتخابات اكتسحها الاتحادي بأغلبية لم تتكرركيف وصلتم لذلك ؟
اكتسحنا الانتخابات بقيادة الأزهري ورجاله الكواكب "يحيى الفضلى (الدينمو)، والمبارك زروق، ومحمد نور الدين"، ومن بعدها خاض أزهري معركة استقلال السودان من داخل البرلمان، ونجح في اصدار قرار بذلك، وهناك من صمت عن القرار مثل محمد نور الدين الذي كان من أشد المؤيدين لوحدة وادي النيل، وصمت عليه رغم أنه كان مخلص لايمانه العميق بأن مصر والسودان دولة واحدة بُني بينها حائط، ويجب أن يُزال وكان هو آخر نائب خرج من البرلمان فى تلك الجلسة، وهناك من تعامل مع القرار على أنه أمر واقع، فقد اتعظوا من التجارب السابقة.
وكيف أصبح قرار الاستقلال أمر واقع؟
لأن الأمة السودانية كانت أجمعت على الاستقلال ووقفت معه وأيدته، فالسيد علي لم يبدىء معارضة لأزهري في ذلك، والسيد عبد الرحمن المهدي كان مع الاستقلال.
هل لحكومة أزهرى أيادٍ في وصول السلطة الى عبود أم هي مسؤولية السيدين؟
أزهري لم يكن له دور في تسليم عبود السلطة، الذي تم هو اتفاق بين السيدين. أولا العلاقة بين أزهري والسيد علي لم تكن جيدة، والمصريون أوعزوا للسيد علي بأن يذهب للسيد عبد الرحمن. (الختمية والأنصار) اتفقوا على أن يشكلوا الحكم فيما بينهم، الرئيس عبود ختمي من أتباع (ستي مريم)، أما عبد الله خليل فقد أحضره السيد عبد الرحمن المهدي، حكومة عبد الله خليل تعرضت لضغوطات من الاتحاديين فطلع عبدالله خليل من الحكومة وسلمها لعبود وهو رجل فاضل ووطني يشهد له بأنه لما تحركت الأحزاب ضد حكومته سلم السلطة ولم يقاوم ولم يستخدم القوة والعنف. ومن الذي حرّك الجماهير حتى سقطت سلطة نوفمبر58 عبر ثورة أكتوبر
الأحزاب الاتحادية هي كانت الأقوى، وهي من قامت بتحريك الجماهير لإسقاط نظام عبود ونجحت في ذلك. ماذا عن الرأي القائل إن ندوة الترابي هي السبب في انتفاضة أكتوبر 64؟
الندوة وخلافها، فالناس كانوا مهيئين وتمت تعبئتهم، والرئيس عبود لم يكن راغب أصلاً في الحكم فلم يكن اختياره, هو جُلب جلبا ليحكم، لذلك كان هناك سهولة في تنازله عن السلطة.
السبب الذي ساعد على نجاح الثورة هو رغبة عبود في التنازل عن الحكم، لأنه لو لم يتنازل لما نجحت ثورة أكتوبر فقد كان بإمكانه أن يستخدم القوة ليبقى في السلطة، ولكنه لم يفعل ذلك وهذه محمدة في تاريخه.
تواجهت مع الترابي في الانتخابات البرلمانية في الديمقراطية الثانية وفزت عليه كيف تم ذلك؟
هناك قصة قبل أن ينزل الترابي في الدائرة ضدي، وهي أنني نزلت في دائرة المسيد في الانتخابات بناء على طلب أهل المنطقة الذين جاؤوا لعمّي وطلبوا منه أن أترشح في دائرتهم، وبعد مفاوضات نجح الأهالى في مقصدهم، وبالفعل ترشحت في دائرة المسيد لي فيها أهل في (الجديد خليفة) هم أهلي لأبي إضافة إلى أننى كنت أعمل بتجارة الإسبيرات وأعرف معظم أهالي المنطقة، ونزل ضدّي ود التكينة من الاسلاميين ومهدي العشا وفزت في الانتخابات، وجاء بعدي ود التكينة بفارق الف صوت تقريبا لذلك ظن الاسلاميون أنهم إذا أحضروا الترابي ونزل في الدائرة سيكتسحها.
الترابي عرف عنه الدهاء السياسي فكيف تفوقت عليه في تلك الانتخابات؟
أهالي المنطقة لم يقبلوا دعوته معظمهم طائفيين وختمية، فهم أقرب للصوفية من الإسلاميين، إضافة إلى الاسباب التي قلتها سابقا عن أن أهل المنطقة أهلي وأيضا معرفتي بمعظمهم من خلال تجارتي معهم، وكذلك كان معي عنصر ممتاز كان له دور في نجاحي، وهو الشيخ الفكي عثمان من (أولاد ود بدر) يؤيدني وهذا خلاف أن الترابي متعلم من فرنسا وقادم من بلاد "الخواجات"، وليس له علاقة بالناس في المنطقة و"السودان" فصوتت الجماهير لي وفزت بأصوات كبيرة.
طرد الشيوعيين من البرلمان؟
أنا أحد الخمسة الذين طالبوا بطرد الحزب الشيوعي من البرلمان، فقد كان الرئيس أزهري قد وعد الجماهير الغاضبة بطرد الشيوعيين من البرلمان. وأنا علي أن أساعد في تنفيذ وعد الرئيس فطردناهم من البرلمان، "وماجبنا خبر" لمحاولات بابكر عوض الله الذي حكم لهم بالرجوع، فكان هو على خلاف مع الأزهري وحاقد عليه من قبل، بسبب أن الازهري قبل استقالته عندما تقدم بها. الديمقراطية الثانية هي التي حدثت بها بعض الانجازات لماذا كانت الأفضل؟
حكومة أزهري كانت حكومة تحرير وليس عملية تعمير، أزهري كان محاطا بكثير من المشاكل والضغوطات. الحكومة التانية كان عرابها الشريف حسين, والشريف جاء الحزب في سنة 57 بعد مشروع المناقل الذي نفذه ميرغني حمزة وتقدم بطلب للانضمام للحزب ووافق أزهري، ورغم أنه (جاء متأخر) لكنه تفوق على الناس القديمين في عطائه.
التعديل الأخير: