وتم الصلح على شروط كثيرة سجلت بدفاتر تسمى بدفاتر الحرس منها
أن الشيخ محمد العقيل تكون له دار عجيب بحدودها
وملك الفونج تكون له الجزيرة فقط
وفيها أن العرب التابعة لمملكة قري الساكنة بالجزيرة يخدمهم شيخ الذر التابع لولد
عجيب
وإذا دخل سنار ولد عجيب لا يضرب نحاس غير نحاسه مدة إقامته به
ومنها إذا دخل عدو في حدود دار الشيخ عجيب من الممالك المجاورة لها سواء كان من الحبشة أو ملوك فور أو ملوك مصر يدفعهم ولد عجيب وملك الفونج يمده بالنجدة من
عساكر حسب المعاهدة السابقة التي كانت مع الملك عمارة دونقس والشيخ عبدالله جماع
وتكون المملكتان متحدتان فيما يحدث،
وقد سكنت الفتنة واستقر الشيخ محمد العقيل في
ملكه وحكم بالعدل وسار في الرعية كأبيه يحب أهل الدين ويكرم أهل الفضل
وفي زمنه زحفت الحبشة بجيوش كبيرة يقال إنها مائة ألف جندي على الحدود يريدون الدخول في بلاد السودان فلما علم الشيخ محمد العقيل بذلك جند جيوشاً كثيرة من قبائل العرب وغيرهم وكانوا يقدرون بأربعين ألف فارس لابسة الدروع ومقنعة بالحديد والفولاذ وقصد بهم الحدود فقابلهم جيش الحبشة ودار الحرب بينهم أياماً في عدة وقائع يطول شرحها ثم انتصر عليهم الشيخ محمد العقيل وقتل ملك الحبشة الملك أياسو بنفسه
وهرب الباقون وأسر منهم رجالاً وسبا نساء كثيرة ثم رجع إلى مقر ملكه بمدينة قري
وتوفي بها ودفن بجوار أبيه وملك ثلاثين سنة وله من الأولاد أربعة وثلاثون بعضهم قتلوا في الحروب والمشهور من الباقين
عبدالله البرنس
وعجيب
وحماد
وشاور
فسبحان الباقي بعد فناء خلقه
ثم خلفه ابنه الشيخ عبدالله البرنس
ثم خلفه عبدالله البرنس
وكان رجلاً صالحاً من أرباب الكشف وعادلاً في الرعية وفي زمنه عمرت دار عجيب وحصلت البركة في المزارع وكثرت المواشي وقد يشاع من عدله وبركته أن الذئب يجتمع مع البهائم فلا يضرها وتلك من أكبر الكرامات وقد استتب الأمن حتى أن الرجل يسافر وحده بالأموال الكثيرة من بربر إلى سنار فلا يتعرض له أحد بسوء حتى يرجع لأهله سالماً. وتوفي بمدينة قري ودفن بها رحمه الله وملك سبعة عشر سنة تقريباً
ثم خلفه الشيخ هجو ولد عثمان
واقتفى أثره في العدل وبحبه أهل الدين وأكرمهم بدفع المال والأطيان وملك خمس سنوات وتوفي لرحمة مولاه
ثم خلفه الشيخ عجيب ولد عريبي الثالث
وقد سار بسيرة ابن عمه بالعدل ومحبة أهل الدين ولم يكن في زمنه حرب لانتظام الملك، وملكه ست سنوات وتوفي إلى رحمة مولاه ودفن بقري.
ثم خلفه الشيخ مسمار ولد عريبي الأول
وملكه خمس سنوات وبعده عزله أهله لسوء سيرته وتعديه على الرعية.
ثم ولي بعده الشيخ على ولد عثمان
وكان ملكاً عادلاً وحليماً على الرعية وملكه سبع سنوات وتوفي لرحمة مولاه جل وعلا ودفن بقري.
ثم خلفه الشيخ حمد السميح ولد عثمان
وكان رجلاً جباراً وحصلت بينه وبين ابن عمه عجيب بن الشيخ محمد العقيل منازعة بسبب تعديه على الرعية وعدم الاستقامة المؤدية لخراب الدار وتمزيق الملك حتى عزله أهله من الملك فخرج من الدار وتوجه إلى دارفور وسكن بها وله أولاد بتلك الجهة وملك عشر سنوات
العنده تسعة عشر من صقور جماع ...
المثل أسودة الخلا القماع
كيف ينزل وقيع من ورا المناع
لشيخ عجيب
نواصل
ثم ولي بعده الشيخ عجيب الثالث ابن الشيخ محمد العقيل
وهو ابن خمس وستين سنة من عمره
ثم نازعه أبناء عمه نظراً لكبر سنه حتى كادت تقع حروب بينهم
لولا أنه راعاها بحسن سياسته
ومما يؤثر عنه أن له سوراً عالياً بمدينة قري
ليحفظ فيه أولاده كي لا يراهم أحد حتى بلوغهم سن الرشد
وفي بعض الأيام هيأ له عرضة وضرب نحاسه واجتمعت الجيوش وجلس على سرير ملكه وأخرج أولاده المحجوبين في تلك العرضة راكبين الخيول الجياد الملبسة ولابسين الدروع وبأيديهم السيوف البارقة
فلما رأى ذلك أبناء عمه المذكورين يئسوا منه وخضعوا له
وقيل أن أولاده السابقين سبعة وعشرون
ولما قويت شوكته في الملك فرق أبناء عمه المذكورين في البلاد
واستقر ملكه بقري ولم ينازعه فيه أحد
فصار الوارث لملك جده الشيخ عجيب المانجلك وبقية الملك في ذريته إلى أن انتهت على يد الحكومة المصرية 1236هـ ألف مائتين وستة وثلاثين هجرية
وفي مدة ملكه
عزم التركمان ملوك مصر الشهيرين بالغز نواب الدولة العثمانية
امتلاك بلاد السودان وجاءوا بجيوش كبيرة فلما علم الشيخ عجيب الثالث بذلك
جهز جيشاً عرمرماً تحت قيادة ابنه حماد المكنى بظلف العجل
وأمره بالتوجه لحربهم بالحدود المصرية بجهة أسوان
فلما وصل حماد إلى الديار رأى أن حرب التركمان من أعظم ما يكون
فاهتم لهذا الأمر اهتماماً عظيماً وتشاور مع رؤساء جيشه
فاتفق رأيهم على جمع البقر والإبل وتقديمها أمام الجيش لتكون هدفاً للرصاص
إلى أن تمكنوا من الاختلاط بالعدو
ولما التقى الجيشان وكان في أول العلاقة تصادم حماد مع قائد جيش التركمان
فضرب حماد وطفره حصان حماد وراءه فلما نزل حصان حماد بقدارة
ولكن لسوء حظه لم تصبه وطرد حماد القائد من وراء الوادي
وتقطعت الحزم الاثنين ومسكه السرج السلبة ملحقة وقتله
وكان عند شد الحصان للحرب أمر حماد السيس أن يحزم السرج بسلبة- فوق حزم السرج الاثنين وظن السيس أنه جبان
فكانت السلبة المذكورة سبب نجاته وظفره على عدوه فلما رأي الناس أن السرج مسكه بالسلبة وجاءوا فوق وادي حفير فطفره حصن القائد الذي كان أشار إليها حماد ظنوها كرامة له أو فراسة منه صحة هذه الحيلة وأظهر العرب شجاعتهم المعهودة وتغلبوا على العدو وقتل قائد التركمان وكثير من جيشه وانهزم إلى سواكن وكان مقتله عظيماً
وفي أيامه حضر مولانا السلطان سليم إلى سواكن فلما علم الشيخ عجيب ولد محمد كاتبه خوفاً من أن يرسل جيشاً لفتح السودان ظناً منه أنها بلاد كفر ولذلك أخبره الشيخ عجيب بأننا مسلمون أهل كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونحكم بالشريعة المحمدية ونسبتنا من بيت الشرف وفتحنا هذه البلاد التي كانت للكفر فأدخلنا فيها الإسلام وعمرنا المساجد وأقمنا الدين المحمدي
وأما حربنا مع ولاة مصر فإنها بسبب تعديهم علينا ودخولهم في حدودنا مع أن الشرع لا يجيز لهم حربنا ما دمنا مسلمين موجودين ونرجو من عظمة مولانا سلطان الإسلام أن ينظر في الأمر ويوقف قوات مصر عند حدودهم فلما تحقق له ما ذكر في الخطاب -وجدت مكاتبات بذلك الخصوص فقدت مع التاج الذي أخذه العبدلاب من ملوك العنج كما سيجيء- ومن ذلك الوقت لم تجر حرب مع الحكومة المصرية ولم يتعرض أحد إلى فتوح محمد علي باشا للسودان في 1236هـ ألف ومائتان وستة وثلاثون هجرية وملك خمس وعشرون سنة بمدينة قري ومات بها رحمه الله وقبره بجوار جده الشيخ عجيب المانجلك.